*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
1- ما يجري اليوم في غزة يذكرنا بما جرى في حماة، المجازر واحدة والدمار واحد، لكن المعارك هنا بين مواطن عربي و مستوطن أجنبي، أما هناك فقد كانت المعركة بين شعب مسالم وحاكم ظالم و ذلك أشد ما يكون إيلاماً على النفس البشرية، فقد ورد في معلقة الشاعر طرفة بن العبد قوله: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ….. على المرء من وقع الحسام المهند.
2- خلال مطالعة لأخبار الصباح، وردتني رسالة هاتفية مصورة، ظهر فيها رجل مسن بهيئة عالم شرعي، يطمئن أهل سوريا بأن الفرج قريب، دون أن يذكر موعداً أو سبباً لانفراج المأساة السورية. فذكرني حديثه برؤياه تداولها الناس قبل خمس وعشرين سنة، ذكر صاحبها أنه رأى في منامه رجلاً يخرج من البحر، كتب على جبينه انه سيحكم سوريا 7 سبع سنين تتبعها سبع أخرى و سبع ثالثة تمامها 21 إحدى وعشرون سنة، ثم تنفرج الأمور، وقد آن أوان الفرج. وانتظر الناس بعدها 21 إحدى وعشرين سنة أخرى حصلت خلالها الحرب الأهلية التي مضى عليها 12 إثنا عشر عاماً دون أن تظهر لها نتيجة غير الموت والدمار والتشريد. فكان حديث الرجل وهما من الأوهام وكان حديث الآخر حلماً من الأحلام، يصرف به الإنسان عن نفسه مشكلة تؤرقه لم يقدر لها أن تنفرج. ولقد بدأت المأساة صراعاً بين حاكم ومحكوم ثم تفاقمت لتكون مشكلة دولية بين إيران وإسرائيل وتركيا وروسيا وأمريكا، موافقة للحديث الشريف (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها).
3- في دمشق كانت بداية المعارضة السلمية لنظام الحكم الفردي الطائفي التعسفي يوم 15/3/2011 بدأتها هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي، وفي اسطنبول بعد مؤتمر للإنقاذ الوطني، أعلن عن مجلس وطني للمعارضة المدنية السورية، ورافق ذلك قيام عدد من الضباط و الجنود المعارضين بتشكيل الجيش الحر، إضافة إلى جماعات جهادية، في الداخل. ثم انعقد إئتلاف وطني لقوى الثورة والمعارضة في قطر، وأخيراً في الرياض في المملكة العربية السعودية، انعقد مؤتمر جامع لممثلين عن المعارضات المدنية والعسكرية داخل سوريا وخارجها، وتشكلت هيئة عليا للمفاوضات، بناء على قرار مجلس الأمن 2254 بتاريخ 18/12/2015.
4- القرار الدولي ينص على إقامة حكم انتقالي، ووضع دستور مؤقت، وإجراء انتخابات حرة برعاية دولية. وكلف الوسيط ديمستورا بإدارة المفاوضات. وفي (جنيف) اجتمع ديمستورا بكل من وفد النظام ووفد المعارضة على انفراد حيث أصر وفد النظام على إدراج بند ينص على مكافحة الارهاب. وبعد سجال بين الوفدين على الأولويات حيث أصر وفد النظام على البدء بمناقشة الارهاب، وأصر وفد المعارضةعلى مناقشة الحكم الانتقالي، انتقلت المباحثات إلى (أستانا) بإشراف روسيا وتركيا وإيران، حيث قدم ديمستورا جدول المباحثات في 4 أربع سلال: الحكم الانتقالي والدستور المؤقت والانتخابات ومكافحة الإرهاب. وبعد استمرار الصراع على أولوية المباحثات، طلبت روسيا البدء بمناقشة وضع دستور جديد. وخلال 22 جلسة لم تسفر عن توافق على الدستور، استقال ديمستورا و خلفه بيدرسون الذي قدم وساطته بأسلوب خطوة من النظام مقابل خطوة من المعارضة. لكن المباحثات
في (جنيف) توقفت بعد 8 ثماني جلسات، و أعلن بيدرسون صعوبتها وحذر من الكوارث التي يعاني منها السوريون، ثم توقفت المفاوضات. وأخيراً تتجدد اليوم مباحثات في أستانا في الجلسة 23 حيث لا يرجى أمل قريب ولا بعيد في انفراج الأزمة.
5- في أسلوب تربوي عن التعليم بطريقة معالجة المشكلة، يجري تعاون المعلم والتلاميذ على تحديد المشكلة لمعرفة مساحتها وأبعادها، ثم تحليل المشكلة لمعرفة عناصرها، ثم تعليل المشكلة لمعرفة أسبابها، ثم معالجة المشكلة بتصور الحلول المناسبة لها، ثم مناقشة الحلول وتصور نتائجها، ثم اختيار الحل المناسب. هكذا هو الحال في مشكلة تعليمية، فما بالك بما يجب أن يكون عليه الأمر في مشكلة سياسية؟! و لقد جربت سورية الحياة الديمقراطية و نشأت فيها أحزاب سياسية يمينية ويسارية، وجربت الحكم الفردي، وحصلت فيها انقلابات عسكرية. كما حصلت لها وحدة مع مصر، وحصل انفصال، و تبع ذلك حكم حزبي و فردي ما يزال جاثماً على رقاب العباد، وكل ذلك لم يحقق لسوريا الأمن والاستقرار، لأن المشكلة لم تأخذ حقها من الدراسة كما هي الحال في المشكلة التريوية، ولأن النوايا لم تكن صادقة كما هي لدى المعلم والتلاميذ.
6- حتى اليوم لم تنشأ في سوريا معارضة واعية تراعي تنوع السكان العرقي والديني والمذهبي، وتقدر مشكلاتهم الحيوية والمعاشية خلال أحداث الثورة، وتدرك المصالح السياسية والعسكرية للدول المجاورة والدول ذات المصالح في المنطقة، ثم إن الثورة بحاجة إلى قيادة واحدة ثابتة مدنية، وخطة عمل عامة ذات خطوات مرحلية وأساليب سياسية، وتقويم مستمر لمسار الأحداث. لكن الثورة حين استدرجها النظام إلى حمل السلاح فقدت طابعها السلمي، وأربكها تصارع الجماعات المسلحة، ثم إن قبولها للمفاوضات مع النظام أعاق مسيرتها، فليس يسيراعلى نظام أن يقبل مفاوضات على زواله وحين قبل وزير الخارجية السوري وليد المعلم المفاوضات مع المعارضة، لامه زملاؤه فقال لهم نقبل المفاوضات ثم نغرقهم في التفاصيل. وحين بدء المفاوضات على الدستور قبل إقامة حكم انتقالي صدقت مقولة: وضع العربة أمام الحصان. ثم إن الخلافات على ما سوف يكون بعد نجاح الثورة قد أجهض مسيرتها، وتلك جملة معوقات اطالت عمر النظام لم يحسب لها حساب.
7- لقد شهد العالم المعاصر ثورات سلمية أفلحت في تغيير نظم قمعية بأساليب مدنية أقرتها المنظمات الدولية، منها التظاهر والاعتصام والعصيان المدني وأساليب اللا عنف وقد فشلت ثورات ونجحت ثورات أخرى نجحت الثورة الصفراء في الفلبين يوم حمل المتظاهرون أشرطة صفراء وسقط حكم الديكتاتور ماركوس. ونجحت ثورة الزهور التي أسقطت حكم الطاغية شيفارد نادزة في جورجيا. وفي عالمنا العربي أسقطت ثورة الياسمين نظام زين العابدين بن علي، كما سقط نظام القذافي في ليبيا. وقد روي عن النبي ص قوله: بالصبر يتوقع الفرج، ومن يدمن قرع الباب يلج. وفي شعر أحمد شوقي قوله: ولا يبني الممالك كالضحايا….. ولا يدني الحقوق ولا يحق….. و للحرية الحمراء باب….. بكل يد مضرجة يدق .وهكذا لعل الثورة تبلغ رشدها وعندئذ يصدق قول صاحبنا الفرج قريب.