*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
1- كوفيد 19 الذي يسببه فيروس كورونا، والذي ينتشر في العالم انتشار النار في الهشيم، ويثير الرعب في مختلف الأوساط الاجتماعية في العالم والذي عجزت عن مكافحته اجراءات العزل والحجر الصحي، ولم تفلح في وقف انتشاره التوجيهات الدينية والخلقية، ولا العقوبات القانونية، كوفيد 19 هذا الوباء كشف عن داء متغلغل في أعماق النفوس البشرية هو ضعف الإرادة، المتمثل في عجز الإنسان عن مواجهة الصعوبات بسبب انقياده لشهوات النفس بغير حدود.
2- لقد بلغ التهاون بشأن هذا الوباء لدى فريق من الناس مبلغ امتناعهم عن تناول اللقاح إمعاناً في المكابرة، كالذي تأخذه العزة بالإثم، يتذرعون بقول الله تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)، مع أن الله تعالى كتب على الناس ما سبق في علمه عن أعمال يقومون بها بإرادتهم واختيارهم من خير أو شر. وقد حذرتنا التعاليم الدينية من مطاوعة النفس البشرية في جموحها، فقد ورد في القرآن الكريم قول الله تعالى (أن النفس لأمارة بالسوء)، وفي الحديث الشريف تحذير شديد من شهوات النفس بقوله ص (حفت النار بالشهوات). وفي كل يوم تحذرنا البحوث العلمية والطبية من الإسراف في الطعام والشراب وترغب في الصيام وممارسة الرياضة البدنية، لحفظ الإنسان من المرض والعجز المبكر، نقرأ ذلك في الصحف ونسمعه في الإذاعات دون جدوى.
3- وحين لا يفلح القانون في ضبط سلوك الناس، فليس غير الوازع الديني يوقظ الضمير ويضبط السلوك ويشحذ العزيمة. وحب الشهوات واتباعها داء تحدث عنه القرآن الكريم في سورة مريم، بعدما ذكر مآثر الأمم في السلف الصالح، ذكر مساوئ الخلف الفاسد وتوعدهم بالعذاب والهلاك في قوله تعالى (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً)، وصفهم بكلمة (خلف) بسكون اللام ليميزهم عن الخلف الصالح بفتح اللام. ولعلنا نلاحظ هذا الربط المحكم بين اتباع الشهوات وإضاعة الصلاة، فاتباع الشهوات داء خطير ينم عن ضعف الإرادة، والصلاة دواء لهذا المرض، بما تكسب المصلين من العزيمة والقدرة نتيجة الالتزام بالطاعة في أوقات معينة كل صباح ومساء. وكذلك الأمر في الصيام والحج وغيرهما من العبادات.
4- وقد بين لنا نبينا رسول الله ص سبيل الرشاد في مواجهة الوباء بقوله (إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها). وكذلك هو الأمر في الجذام. ورد قوله ص (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، وقوله ص في الوباء عامة (لا يردن ممرض على مصح)، وهذا هو الحجر الصحي. إنه واجب ديني وقانوني من أجل سلامة الأفراد والمجتمعات، يعتبر تجاوزه جريمة شخصية واجتماعية ترتب المسؤولية وتستوجب العقوبة.
5- وفي سيرة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رض أنه خرج بأصحابه في سفر إلى للشام، وفي الطريق علم أن الطاعون قد انتشر في بلاد الشام وقتل كثيراً من الناس، فتوقف حيث وصل، وبعد مشورة لأصحابه قرر الرجوع إلى الحجاز، فاعترضه أبو عبيدة بن الجراح رض بقوله أفراراً من قدر الله يا أمير المؤمنين؟! فأجابه عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان إحداهما خصيبة بها زرع وحشائش، والأخرى جديبة لا زرع فيها، أليس لو رعيت الإبل في الخصيبة رعيتها بقدر الله؟ ولو رعيتها في الجديبة رعيتها بقدر الله؟ إنه موقف رشيد من خلفائنا الراشدين يؤكد حرية الإنسان واختياره ولا يعطل سعيه ومساره، فلتكن لنا أسوة في سيرتهم وفي مسيرتهم. أولئك هم مصابيح الهدى. طوبى لمن يحبهم والويل لمن يسبهم.