*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
- في كل عام هجري، يهل علينا شهر الربيع الأول، وتطالعنا فيه ذكرى مولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ﷺ، فتنصب الزينات وتضاء الشرفات، وتقام الاحتفالات. وللناس في هذا الأمر مساجلات بين محلل ومحرم، مما يستدعي بيان الصواب فيما أفتى فيه فقهاء زماننا، عسى أن يحسم الخلاف ويحصل الوفاق.
- فقهاء السلفية يحرمون الاحتفال بذكرى المولد ويعتبرونه بدعة لم يكن لها وجود في زمن الصحابة وتابعيهم وتابعي التابعين. وفي الحديث الشريف. كل بدعة ضلالة. وقد ثبت أن أول من احتفل بذكرى المولد هم الفاطميون. الشيعة. ومن السنة صاحب مدينة أربيل في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله. وأغلب الظن أنه كان يضاهي بذلك احتفال الصليبيين بميلاد المسيح عيسى عليه السلام.؟
- فقهاء الصوفية يبيحون الاحتفال بذكرى المولد باعتبار أنه بدعة حسنة، تحيي ذكرى النبي ص وتنشر أخباره بما يبعث لدى المسلمين محبته ويدعوهم إلى تمكين الإيمان برسالته والعمل بسنته، ويحتجون بعمل الخليفة عمر ابن الخطاب، يوم جمع المتنفلين في قيام الليل في رمضان على إمام واحد وقال نعمت البدعة هي. ولهم أقوال أخرى في تأييد فتواهم.
- فقهاء الوسطية ومنهم الشعراوي والقرضاوي يبيحون الاحتفال بذكرى المولد باعتبار أنه عادة حميدة تذكر المسلمين ببعثة النبي. ص. ودعوته وهجرته وجهاده في سبيل الله تعالى، وقد روي عن سعد بن أبي وقاص، أنه قال. كنا نعلم أبناءنا مغازي رسول الله ﷺ كما نعلمهم السورة من القرآن.
- هكذا نجد أن الاحتفال بذكرى المولد ليس فرضاً ولا واجباً ولا سنة ولا بدعة، وإنما هو عادة مستحبة، وشريعتنا الإسلامية تفرق بين العادات والعبادات. فالعقائد والعبادات والأخلاق ثوابت استقرت بوفاة النبي ﷺ وانقطاع الوحي، لا مجال بعدها لإحداث شيء على أنه من الدين، وقد قال الله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم. اما الأعراف والعادات والمعاملات، فهي متغيرات تختلف باختلاف الزمان والمكان على أن يكون ذلك في إطار الثوابت
- جرت عادة الأمم في زماننا على أن تخلد الذكريات التي تهتم بها، في أيام معينة خلال كل عام، فيوم للاستقلال ويوم للأم ويوم للمعلم ويوم للعمال وأيام لمناسبات اخرى، ونحن المسلمين نقلدهم فنحتفل بذكرى الهجرة وغزوة بدر وليلة القدر، فهل يعتبر ذلك من التقليد الذي حذرنا منه نبينا محمد ﷺ ؟ هنا لابد أن نذكر قوله. ص. الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها. فالتحذير من التقليد وارد فيما يخالف شريعتنا، أما التقليد البصير الذي لا يخالف شريعتنا فهو مباح، ونحن اليوم ندعو لممارسة العمل التطوعي وننشئ دوراً للعناية بالمسنين، وملاجئ للأيتام على غرار ما تفعله الأمم المعاصرة وكل ذلك له في شريعتنا أصول.
- بقي لنا أن نلاحظ أن الفتوى لا تقتصر على فكرة الاحتفال، وإنما تتناول ما يرافق الاحتفال من تصرفات، حيث يجري اختلاط الرجال بالنساء والقيام بحركات تشبه الرقص وترفع الأصوات كما يحصل في الملاعب. فلنقتصر في احتفالنا على تلاوة القرءان الكريم ورواية الحديث الشريف وقراءة السيرة النبوية والمدائح النبوية والقصائد الشعرية، فقد سمعها النبي ﷺ من حسان بن ثابت ومن كعب بن زهير وخلع عليه بردته الشريفة.