*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
1- القرآن الكريم كتابنا المقدس، محفوظ في السماء قال الله تعالى: (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون). ومحفوظ في الأرض قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) صدق الله العظيم. حفظه رسول الله محمد (ص) وأمر بكتابته، وندب لذلك جماعة من أصحابه، منهم خلفاؤه الأربعة وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأُبي ابن كعب وكثير غيرهم. فكتبوه على الرقاع والعظام والجلود وما تيسر لهم. ولما تولى الخلافة أبوبكر الصديق أمر بجمعه في صحف أودعها لدى السيدة عائشة (ض). وبعد أبي بكر أمر عثمان (ض) بنسخه في عشرة مصاحف، احتفظ بأحدها ووزع ما بقي منها على أقاليم الدولة. وتوارث الصحابة والتابعون والأجيال بعدهم، حفظ القرآن الكريم، وطباعة المصاحف حتى يومنا هذا.
2- لكن محاولات الأعداء في تحريف القرآن الكريم لم تنقطع، وفي القرن الماضي، في طبعة للمصحف ورد قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) دون كلمة (منكم). ثم في طبعة ثانية ورد قوله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) دون كلمة (غير). فعمدت إدارة الأزهر الشريف إلى تكليف الشيخ محمود خليل الحصري، بتسجيل القرآن الكريم على اسطوانات ما تزال تذاع على الناس، وتشكلت لجان متخصصة لاعتماد كل إصدار جديد للمصحف الشريف قبل طباعته وتوزيعه. وأخيراً تجددت أعمال حرق المصاحف في محاولات يائسة تعبيراً عن الحقد الدفين على كتاب الله تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) صدق الله العظيم.
3- في زيارة سبقت لي إلى زميل كان مديراً للأوقاف، سألني عن موضع آية في القرآن الكريم، فلم أعرف السورة التي وردت فيها الآية، وكان في المجلس شيخ أزهري مصري، فأجاب على الفور قائلاً: «إنها في الجزء الخامس والعشرين في سورة (فصلت) قوله تعالى: (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ۚ)، فأثار الشيخ إعجابنا وتقديرنا. كنت وزميلي من المجازين في الشريعة من جامعة دمشق، وكانت برامج الدراسة فيها تعد طلابها ليكونوا فقهاء في الشريعة والقانون، وكثير منا مَن حصل على إجازة في الشريعة وإجازة في الحقوق، وكنا نعتمد في حفظ القرآن الكريم على المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم. وكان الأزهر الشريف يعد طلابه ليكونوا دعاة وأئمة في المساجد، وكان أحد متطلباته حفظ القرآن الكريم، وللحفظ أهميته وروعته لذلك فإنه لابد في كل عصر، أن يتولى حفظ كتاب الله تعالى مجموعات من المسلمين، رجال ونساء كبار وصغار، والعلم في الصغر كالنقش في الحجر.
4- وإن للحفظ عوامل أهمها: أولاً الرغبة: فعلى المحفظ أن يذكر للتلاميذ ما يناله الحافظ من الأجر والثواب عند الله تعالى، والتقدير لدى المجتمع. ثانياً الفهم بذكر سبب النزول، ووضع عنوان للنص وعناوين لكل فقرة من فقراته. وتفسير معاني الجمل والمفردات. ثالثاً التكرار: بترديد النص جماعات وأفراداً، وقبل النوم، وعند الاستيقاظ، وفي الصلوات، وإن بعض المحفظين يكلف التلاميذ بكتابة النص، كما هي الحال في حلقات التحفيظ القديمة. رابعاً التقليد: بسماع النص من تسجيلات القراء وتقليدهم. خامسا: التنافس بإجراء مسابقات فردية وجماعية وتوزيع الجوائز على المجيدين. أما قواعد التجويد فتدرس كما يناسب تكرارها في النص المراد حفظه.
5- معهد تحفيظ القرآن في مدينتنا ويندسور، مؤسسة أقامها أطباء مهتمون بحفظ كتاب الله تعالى، يضم مجموعات من التلاميذ ذكوراً وإناثاً، يتلقون دروساً في القرآن الكريم تلاوةً وتجويداً وفهماً وحفظاً. كانت ندى إحدى ثمرات المعهد. بدأت حفظ القرآن الكريم في الثامنة من عمرها وأنجزت حفظه وهي في العاشرة، خلال سنة وثمانية أشهر. بارك الله فيها، وهنيئا لوالديها وجدها وجدتها، وتقديراً لشيخها الكريم، وشكرا للقائمين بأمر المعهد، جزاهم الله خير الجزاء.