*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
1. في جريمة بشعة هزت المجتمع الأردني، فقد شاب ذراعيه وإحدى عينيه، قضت محكمة الجنايات الكبرى بأن الجريمة شروع في القتل عقوبتها الحبس والشغل. فكان حكمها خطأ في الرأي وجوراً في الحكم. لأن الجناة ما كانوا يريدون قتل الضحية فلم يتمكنوا من قتله، بل كان بإمكانهم أن يقتلوه قبل فعلتهم أو بعدها، لكنهم أرادوا التنكيل بالضحية ليعيش مشوهاً يكابد الألم الحسي والنفسي. وبما أن قانون المحكمة، قانون العقوبات لم يشرع لها عقوبة خاصة فقد كان بإمكان القاضي أن يرد الدعوى أو أن يقضي بحكم الشريعة الإسلامية التي هي مرجع التشريعات في الدولة، حيث تعتبر الجريمة فساداُ في الأرض (إرهاب) جزاء الفاعلين لها أن يقتلوا (إعدام) أو أن ينفو من الأرض (سجن) إلا إذا عفا أولياء المجني عليه فيحكم بالدية وبالتعزير (الحق العام). ولكن القاضي حكم على الجناة بالحبس والشغل. وبعد هياج شعبي واهتمام رسمي أحيلت القضية إلى محكمة أمن الدولة فرأت أن الجريمة عمل إرهابي، وحكمت بإعدام 6 ستة من الجناة وحبس آخرين فكان حكمها أقرب إلى الصواب.
2. وفي بلد آخر، في دعوى طلاق للضرر رفعتها الزوجة على الزوج بعد العقد وقبل الدخول، حكم الحكمان بأن الإساءة من الزوجة 100% مئة في المئة لم يلتزم القاضي بحكم الحكمين فلم يرد الدعوى، ولم يحكم للزوج برد المهر والهدايا وتعويض الضرر، وإنما قضى بطلاق الزوجة وإلزام الزوج بدفع مقدم المهر، وكلفه بدفع النفقة للزوجة من تاريخ العقد، وبنفقة العدة كما لو أنه تزوج وطلق، فكان ذلك خطأ في التقدير وجوراً في الحكم.
3. وفي بلد ثالث، في قضايا أمن الدولة أصدر أحد القضاة 100 مئة حكم بالإعدام في حالات لا تستوجب الإعدام. وثبت أن القاضي لم يكن مؤهلاً كما يجب فهو يخطئ في تلاوة الآيات القرآنية وفي اللغة العربية ويسرف في الحكم. وقد ورد في الشعر العربي: إذا جار الأمير وصاحباه ….. وقاضي الأرض أسرف في القضاء ….. فويل ثم ويل ثم ويل ….. لقاضي الأرض من قاضي السماء. وهكذا ترد الأخبار عن محكوم قضى في السجن 20 عشرين عاماً ثم ظهرت براءته، ومحكوم ظهرت براءته بعد وفاته، ومجرم أطلق سراحه نتيجة لتغير في اجتهادات المحكمة وكل ذلك نتيجة الخطأ في التقدير أو الجور في الحكم، بسبب قضاة غير مؤهلين، ونتيجة فقدان رقابة صارمة على عمل القضاة.
4. إن مهمة القضاة هي تحقيق العدالة وهذا أمر يتوقف على عدالة التشريع وعدالة القضاء. فالتشريع العادل هو الذي يستمد أحكامه من الدين والمثل العليا ومكارم الأخلاق ومراعاة المصالح العامة. والقضاء العادل أمر يتوقف على كفاءة القاضي بأن يكون من الأشخاص المؤهلين بالمعرفة والخبرة والمشهود لهم بالاستقامة وحسن الخلق، وعلى وجود رقابة صارمة على القضاة حتى لا يحصل منهم خطأ ولا جور. وقد حذر رسول الله محمد (ﷺ) من فساد القضاة بقوله: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة. فرجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار) صدق رسول الله (ﷺ)
5. في كندا قبل مدة أصدر مجلس القضاة قراراً ألزم بموجبه قاضية بالاعتذار من مواطنة كندية، كانت القاضية قد رفضت النظر في دعواها لأنها محجبة. وجعل المجلس اعتذار القاضية شرطاً لإعفائها من إجراءات تأديبية ضدها، فاعتذرت القاضية من المواطنة، على حال لم نشهد لها مثيلاً في شرقنا العربي. أليس ذلك دليلاً على أنه آن للشمس أن تطلع من مغربها؟