*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
1- كورونا، هذا الفيروس الخطير الذي يسبب كل يوم تطورا خطيرا في وباء كوفيد-19 الذي ذهب ضحيته حتى اليوم قرابة 5 خمسة ملايين إنسان. أحدث في بلدنا صراعا بين الحكومة و بعض المواطنين ، حين ألزمت الحكومة المواطنين بأخذ اللقاح وامتنع كثير منهم عن تناوله بحجة أن له مضاعفات ضارة على بعض الناس المرضى و الأصحاء، و أن الحصانة به ليست أكيدة ، فالذين أخذوا منه الجرعة الأولى يأخذون اليوم جرعة ثانية و قد يحتاجون الى جرعة ثالثة، و أن الحصانة الطبيعية التي تنجم عن الإصابة به أكثر جدوى من اللقاحات .وقد بلغ الأمر ببعض الرافضين لأخذ اللقاح أن تجاوزوا حدود الاحتجاج السلمي الى حد الشطط اللفظي و الاعتداء الجسدي على رئيس الحكومة ، في تجاوز مرفوض و جريمة نكراء. كل ذلك يدعونا الى تفهم حدود العلاقة بين الحكومة والمواطن في نظام الحكم الديمقراطي المتبع في البلاد.
2- قرأت عن نظرية العقد الاجتماعي التي تقوم عليها النظم الديمقراطية التي نشأت في العصر الحديث بعد عصور من الاستبداد السياسي التي سادت ثم بادت. فالعقد الاجتماعي هو اتفاق طوعي رضائي بين المواطن والدولة، يمنح الحكومة الحق في تشريع القوانين التي تضمن للمواطن حريته في ممارسة حقوقه بالطريقة التي تحقق له مصلحته، وتحميه من وقوع الضرر عليه (العدوان) كما تمنعه من إيقاع الضرر بغيره (التعسف في استعمال الحق). فالقوانين ضمانات للحقوق وضوابط للتصرفات. مثال ذلك منع صاحب السيارة من استعمالها مالم يحصل على رخصة القيادة، حرصا على سلامة الناس وسلامته، ليس هذا فقط، بل إن الدولة تقوم بحماية الفرد من إضراره بنفسه فتحرم تعاطي المخدرات وتعاقب على محاولة الانتحار وكل ذلك لا يحسب من الاستبداد (الديكتاتورية) بقدر ما يعتبر من الرعاية والوقاية.
3- بناء على ما تقدم فليس من حق الحكومة أن تلزم المواطن بأخذ اللقاح، يكفي أن يلتزم المواطن بمنع سريان العدوى بسببه على احتمال اصابته بالمرض، وذلك بالتزامه بالعزل والتباعد والكمامة والتعقيم، وعند الضرورة في أحوال معينة يمكن تكليفه بإبراز شهادة بسلامته من المرض. وباعتبار أن هذا الأمر يجلب الحرج على المكلف ويلزمه بإجراء اختبار كلما أراد أن يخالط الناس، فقد جعلت الحكومة شهادة تلقي اللقاح البديل الميسر، وليت الحكومة تركت الخيار للمواطن إذا التزم بما تقدم ولم تلزمه بأخذ اللقاح.
4- في كتاب الله تعالى، القرآن الكريم ورد قوله عز وجل (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي…) قرار إلهي مبرم وصريح يمنح الإنسان المخلوق حرية التصرف في علاقته بالخالق، فكيف بعلاقة الحاكم بالمحكوم؟ على أن حرية الإنسان في التصرف مرتبطة بمسؤوليته عن عمله، فكل حق يقابله واجب. قال الله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، فالرشيد يكافأ والغاوي يعاقب، وتلك هي العدالة الإلهية.
5- هكذا أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدأ الحرية للإنسان كما قرره الله تعالى، وجعله أساساً للسياسة الشرعية، ثم التزم به خلفاؤه في ولايتهم بعده. ويشهد التاريخ بذلك للخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) يوم زجر الوالي على مصر بسبب اعتداء ابنه على القبطي، قال له: يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ فصلاة الله وسلامه عليك يا محمد في يوم مولدك السعيد ورضي الله عنك ياعمر في عهد خلافتك الراشدة.