*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
1- في مدينة لندن المجاورة قتلت عائلة بأكملها، الزوج والزوجة واثنتان من الفتيات، لم ينج منهم سوى طفل صغير ما زال يصارع الموت. والقاتل شاب في العشرينات من العمر، أبصر المغدورين في نزهة على الاقدام، فاستدار بشاحنته وانقض عليهم، فقضوا تحت عجلاتها وتناثرت أشلاؤهم على جادة الطريق. إنها جريمة خطيرة بالغة الخطورة، تضاف إلى جريمة قديمة ذهب ضحيتها 215 طفلا من السكان القدماء في كندا، والجريمتان تصنفان فيما يسمى بالتطهير العرقي، تلك الجريمة التي تمارسها اليوم عناصر بشرية معادية للبشر في الصين وميانمار وسيريلانكا ونيوزيلندا، بعد أن مارستها في البوسنة والهرسك وفلسطين على المسلمين، وفي ألمانيا من قبل على اليهود.
2- في القرآن الكريم ورد قول الله تعالى (لله ما في السموات والأرض)، وقوله تعالى (والأرض وضعها للأنام )، فليس لمخلوق أن يدعي ملكية الأرض دون غيره، والناس في الأصل بنو آدم، جعلوا شعوباً وقبائل (ليتعارفوا). وفيما يخص المسلمين والمسيحيين ورد قول الله تعالى (ولتجدن أقربهم مودة للذين ءامنوا الذين قالوا إنا نصارى). ولقد ظهرت هذه المودة يوم هاجر المسلمون إلى الحبشة فأكرم النجاشي وفادتهم، ويوم حاور النبي محمد (ص) نصارى نجران فانصرفوا آمنين ويوم شارك أبناء شاكر في الحضارة الإسلامية، ويوم أصدر الخليفة عمر بن الخطاب (ر) العهدة العمرية لنصارى القدس، ولا يزال المسلمون يقرأون سورة مريم في القرآن الكريم ويستشعرون المودة في رسالة المسيح (ع).
3- كيف إذاً نفسر ما يحصل من تعصب عنصري في مواجهة المسلمين؟! لابد أن ذلك نتيجة أكيدة لنزعة عدوانية تدفع صاحبها إلى إيذاء الآخرين، فيجد في عدوانه عليهم متعة له وراحة نفس وهذه هي (السادية) التي تؤكدها الممارسة الشاذة للحرية الشخصية حين يحقق الإنسان ذاته لا يميز خيرها من شرها ويتمتع بإضرار نفسه فإذا مارس الأذى في حق نفسه هان عليه أن يؤذي غيره. لذلك فإن من أهم أهداف التربية أن يعرف الإنسان ماله وما عليه في حياته الاجتماعية، فالإنسان كائن اجتماعي شأنه في ذلك شأن الطيور والكائنات البرية والبحرية وله أن يحقق ذاته بالطريقة التي لا تضر مجتمعه. وخير مثال لذلك ما ورد في حديث السفينة عن سيدنا محمد (ص): مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا.
4- نحن في حاجة ماسة إلى تربية اجتماعية تهدف إلى قبول الآخر، وذلك واجب الأسرة والمدرسة والفعاليات الاجتماعية وبالضرورة واجب الدولة. وليتنا ننبذ أكذوبة امتياز العنصر الآري التي تروج لها كائنات حيوانية في صورة بشر. فالحضارات الإنسانية لم تقتصر على صنف من البشر دون صنف، وإنما تداولتها الأمم لدى اليونان والرومان والفرس وفي الهند والصين، لا فرق بين بيض وملونين ولا بين أتباع دين ودين. وليتنا نتقي غضبة الأرض على فساد أهلها حين تمارس عليهم التطهير البشري بكورونا والفطر الأسود وغيرهما من الأوبئة.
فالأرض للطوفان مشتاقة … لعلها من درن تغسل
وما من يد إلا يد الله فوقها … ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم