*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
1- البرلمان الكندي (مجلس العموم) بتاريخ 23/2/2021، أصدر قراراً يطالب الحكومة باعتبار ما ترتكبه السلطات في الصين بحق شعب الإيغور التركي في منطقة شينجيانغ (سنجان)، إبادة جماعية، وتلك بادرة طيبة تؤكد رسالة كندا في نصرة القضايا الإنسانية في العالم. فقد تواترت الأخبار عن مأساة 11 مليون من المسلمين في الصين بعد زوال دولتهم تركستان الشرقية بعدوان روسي صيني عام 1949. قبل ثلاث سنوات بتاريخ 30/9/2017 اعتقلت حكومة الصين مليون شخص مسلم منهم في معسكرات إعادة التأهيل، في محاولة للقضاء على هويتهم القومية وديانتهم الإسلامية. وكررت هذه الجريمة في 24/12/2019، وفي 23/01/2021، بقصد إنهاء وجود الإيغور وتوطين عناصر الهان الصينيين في الإقليم. خلال تلك السنوات أغلقت مساجد المسلمين وصودرت ممتلكاتهم وأكرهوا على ممارسة المحرمات في ديانتهم، وتلقوا أبشع أساليب التعذيب الجسدي والنفسي في جرائم معادية للإنسانية. كل ذلك لا يردهم عن دينهم الذي عرفه أسلافهم من القوافل التجارية والفتوحات الاسلامية.
2- في مدينة حماة عام 1944 كنت تلميذاً بالصف الأول الابتدائي وكان لنا زملاء في الصف الرابع نسمعهم يرددون مع المعلم كلمات غريبة لم نتعود سماعها، كانوا يتعلمون اللغة الفرنسية. وفي عام 1946 نالت سورية استقلالها، وجلت عنها القوات الفرنسية برعاية الجيش التاسع البريطاني، ولا أزال أذكر انسحاب عساكر الفرنسيين تحت وابل من مقذوفات البيض والطماطم وقشور البطيخ، ترميهم بها الجماهير الشامتة، وأذكر جماعات المواطنين في ساحة المدينة وهم يشعلون النيران بأكوام الكتب الفرنسية ويلقون بقاياها في حاويات القمامة.
3- هذا هو الفارق الكبير بين قبول الإيغور في الصين للفتح الاسلامي ورفض السوريين للاستعمار الفرنسي. الاستعمار يتم بحرب عدوانية تسلب الشعب حريته وتسيطر على ثرواته وتحكمه بنظام عنصري، للمستعمرين والمستوطنين قانون وللشعب قانون آخر. بخلاف الفتح الإسلامي الذي هو حرب تحريرية تخلص الشعب من سيطرة المستعمرين ومن سطوة الحكام المستبدين، وتحكمه بنظام إنساني، للفاتح والشعب قانون واحد، وتفسح للناس مجال المشاركة في بناء حضارة عربية إسلامية إنسانية شاملة، تقبلتها الشعوب وشاركت فيها، فبرز منهم الطبري في تفسير القرآن الكريم والبخاري في جمع الحديث الشريف وسيبويه في قواعد اللغة العربية وكثيرون غيرهم في مختلف العلوم والآداب.
4- في مقال للمحامي السوري إدوارد حشوة، ذكر أن الإسلام انتشر بالدعوة كما لم ينتشر بالعنف، وتلك حقيقة تؤيدها الوقائع التاريخية في شرق العالم وغربه. قال: ولكن الفتوحات الإسلامية بالعراق والشام كانت عنفا ضد أهل الكتاب. وتلك منه سقطة عميقة تجافي الصواب وتنافي الحقيقة. ذلك لأن المسلمين في الشام حاربوا الرومان المستعمرين الذين ينسب إليهم إخواننا المسيحيون قتل السيد المسيح وصلبه، وفي العراق حاربوا الفرس المستعمرين الذين اضطهدوا أهل الكتاب. وأن أهل الكتاب في الشام والعراق ومصر تمتعوا بحريتهم الدينية منذ أن أصدر لهم عمر بن الخطاب (رض) العهدة العمرية، ويوم قال لوالي مصر وهو يقتص من ابنه لابن القبطي: يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟!
5- اليوم في بعض البلاد ترتفع أصوات تنادي بخروج المسلمين من مصر والشام باعتبارهم عرباً وافدين، وتلك دعوات غبية أشد الغباء لأنه لو صحت دعواهم لفرغت جزيرة العرب من أهلها والصحيح أن الكثرة الكاثرة من المسلمين في مصر والشام هم أهل البلاد الذين اعتنقوا الإسلام وأحبوا العربية كما أحبها شعراء وأدباء من أهل الكتاب. ولو أن الإسلام انتشر بالعنف لما بقي أحد منهم، وهذا ما حصل في الأندلس حيث أقيمت محاكم التفتيش فقتل من المسلمين من قتل وفر من فر وتنصر من تنصر.