امرأة عظيمة ذات مكانة جليلة في قلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لدرجة جعلته يخلع قميصه ليكفنها به ولما أنزلت بقبرها أخذ يحفر ويوسع التراب بيده الشريفة و اضجع في قبرها وقيل توسد القبر وخرج وعينه تفيض من الدمع حزنًا عليها.
بل و دعا لها بأن تبعث وهي كاسية فهي مكفنة بقميص نبينا صلى الله عليه وسلم .. حتى قال الصحابة رضوان الله عليهم: يا رسول الله، رأيناك صنعت شيئًا لم تصنعه بأحدٍ، فقال: «إِنِّي أَلْبَسْتُها قَمِيصِي لِتَلْبَس مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، وَاضْطَجَعْتُ مَعَهَا فِي قَبْرِهَا لَيُخَفَّف عَنْهَا مِن ( ضَغْطَة الْقَبْرِ ) ، إنها كانت أحسن خلق الله صنيعا بي بعد أبي طالب).
إنها الصحابية الجليلة السيدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشيَّة الهاشميَّة زوجة أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وأم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكان النبي يعيش في كنف جده عبدالمطلب حتى الثامنة من عمره وتحديدًا عندما توفي جده أنتقل لبيت عمه أبو طالب .
فاحتضن هذا البيت النبي صلى الله عليه وسلم واحتضنته امرأة عظيمة وهي فاطمة بنت أسد رضي الله عنها فاعتبرته أحد أبنائها بل وأكثر وفي بعض الروايات أنها كانت تُحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أبنائها.
فعندما توفي عبدالمطلب جاء أبو طالب لفاطمة وقال لها: اعلمي أنّ هذا ابنُ أخي ، وهو أعزّ عِندي من نَفسي ومالي ، وإيّاكِ أن يتعرّض علَيه أحدٌ فيما يريد ، فتبسّمت من قوله وقالت له : توصيني في وَلدي محمّد ، وإنّه أحبُّ إليّ من نفسي وأولادي ؟! ففرح أبو طالب بذلك.
اهتمام من أم عظيمة
وبعدها اعتَنَت السيدة فاطمةُ بنت أسد بالنبي صلى الله عليه وسلم عناية عظيمة ، وأولَتْه رعايتها وحبّها ، وكانت تُؤثِره على أولادها في المطعم والملبس لأنها كانت تقدر أنه يتيم فكانت تعطيه أشياء واهتمام حتى أكثر من أبنائها رضي الله عنهم فإذا احتاج النبي أمرًا فكانت تلبيه مباشرة فنعم الأم كانت.
وكانت أيضًا تغسّله بالماء وتدهن شَعره وتُرجّله وتطيبه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبّها ولا يناديها إلاّ بـ (أمّي) لأنه لم يلاقي اهتمام كهذا إلا من أمه فاطمة بنت أسد وكانت تجمع له الطعام اذا كان خارج المنزل فإذا رجع يكون نصيبه محفوظ..
وفاء النبي لها
ومن شدة حبها للنبي صلى الله عليه وسلم عندما تزوج السيدة خديجة رضي الله عنها دفعت إليه بفلذة كبدها ابنها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ليكون في ولايته صلي الله عليه وسلم بعد زواجه من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، فكيف ردَ لها النبي عليه الصلاة والسلام جزء من أفضالها؟
تشير بعض الكتب الاسلامية إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام سمى بنته فاطمة رضي الله عنها على اسم هذه المرأة العظيمة التي كان يناديها بأمي وهي فاطمة بنت أسد ، فسمى بنته وسيدة نساء أهل الجنة فاطمة رضي الله عنها على اسمها من شدة حبهِ لها ..
وفي إحدى المرات أُهدي للنبي صلى اله عليه وسلم حلة من أستبرق بمعنى ثوب من الحرير فقال عليه الصلاة والسلام (اجعلها خُمرًا بين الفواطم، فشقها أربعة أخمر، خمارًا لفاطمة الزهراء، وفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، والرابعة قيل إنها فاطمة بنت شيبة بن عبد شمس زوج عقيل بن أبي طالب)..
إسلامها وهجرتها
أسلمت السيدة فاطمة بنت أسد بعد وفاة زوجها أبي طالب ، ثم هاجرت رضي الله عنها مع أبنائها إلى المدينة.. وكانت رضي الله عنها راويةً للحديث؛ روت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ستَّةً وأربعين حديثًا وكانت امرأةً صالحة، وذات صلاحٍ ودين، فكان النبيُّ صلى اللَّه عليه وسلم يزورها وينام في بيتها بعض الاحيان..
وفي السنة الخامسة من الهجرة توفيت فاطمة بنت أسد رضي الله عنها فحزن النبي صلى الله عليه وسلم عليها حزنًا شديدًا ، وروى ابن عباس رضي الله عنهما: أنه لمـَّا ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما خلع رسول الله صلى الله عليه و سلم قميصه وألبسها إياه واضطجع معها في قبرها..
سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : يبعث الناس يوم القيامة عراة . فقالت : واسوأتاه . فقال لها صلى الله عليه وسلم : إني أسأل الله أن تبعثين كاسية .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّه قال: لمـَّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي رضي الله عنهما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال: (رحمك الله يا أمي كُنتِ أمي بعد أمي ، تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نفسكِ طيبًا وتطعميني وتريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة).
وقال: «اللهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ اغْفِرْ لِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ وَلَقِّنْهَا حُجَّتَهَا وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».