*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
1. إن مما يثير الحزن ويبعث التشاؤم في نفس كل إنسان معاصر، أن يقوم أفراد فقدوا الشعور بالمسئولية، بممارسات شاذة تهدد وحدة المجتمع الإنساني، و تنذر بعودة الحروب العالمية، متذرعين بحرية الرأي، في بلد هو عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، دون أن تترتب على فعلتهم عقوبة جزائية، وأن ترتفع في بلدهم أصوات تبرر أعمالهم و تقف بجانبهم مدافعة عنهم.
2. هذا ما فعلته جريدة شارلي إيبدو بنشر صور مسيئة لنبي المسلمين محمد عليه الصلاة والسلام. فعلت ذلك قبل عشرين سنة، فتسببت بأحداث عنف طالت مواقع إعلامية وسياسية في عدد من بلاد العالم. و كررت جريمتها قبل خمس سنوات فأودت بحياة عدد من القتلى أحدهم رسام الجريدة. وهي اليوم تجدد نشر الصور المسيئة للمسلمين على طريقة العزة بالإثم التي لا يقرها دين ولا تبيحها شريعة.
3. فرنسا التي يقطنها ملايين من المسلمين، مواطنين و مقيمين، عمالاً و فنيين يشكلون دعامات الإقتصاد الفرنسي، يساء إليهم وتمتهن كرامتهم ويهزأ بمعتقداتهم، كأنهم عبيد لا كرامة لهم ولا حقوق، غير ما يقدمونه للسادة من خدمات مهينة. مما يذكر بنظام الإقطاع الذي ساد العصور الوسطى، والذي أدى إلى قيام الثورة الفرنسية والثورات التحررية في العالم. فهل كانت الثورة الفرنسية ثورة إنسانية لتحرير العالم من المظالم الاجتماعية؟ أم أنها كانت ثورة محلية لتحرير الفرنسيين من الملكية المستبدة وحدهم لا شأن لها بغيرهم؟ وما على فرنسا بعدها من حرج في استعمار بلاد عربية و أفريقية هي بمثابة فرنسا وراء البحار؟!
4. وأن مما يثير الإعجاب ويبعث التفاؤل، قرار قضائي كندي في دعوى المواطنة من أصل فلسطيني رانيا العالول التي امتنعت إحدى القضاة عن نظر قضيتها لأنها محجبة، فأثارت اهتمام المراجع القضائية، و بعد خمس سنوات من النظر في القضية، صدر القرار من مجلس القضاء الكندي بتخطئة القاضية وأمرها بالاعتذار من المواطنة، كما صدرالقرار من محكمة الإستئناف بإجماع قضاتها الثلاثة، يشجب تصرف القاضية، ويؤكد حق المواطن الكندي في ارتداء اللباس الذي يختاره، ما دام لا يحدث تضارباً مع الحقوق الدستورية لشخص آخر. و بذلك يؤكد القضاء الكندي خصوصية المواطن، و يمنحه الحق في تحقيق ذاتة بالطريقة التي لا تضر علاقته بمجتمعه متعدد الثقافات. فليس مطلوباً من المواطن الكندي أن ينكر ذاته، ولا أن يتبرأ من أصوله، فإن الذي يهون عليه أن يتبرأ من أصوله يهون عليه أن يتبرأ من مواطنته. لقد أكد القضاء الكندي عدالته وحرصه على سلامة التعايش في بلد متعدد الأعراق، واستحق بذلك كل تقدير وإعجاب.
5. في أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة قبل سنتين، وقع قداسة البابا وفضيلة شيخ الأزهر وثيقة الأخوة الإنسانية ومما ورد في نصوصها: (إن التاريخ يؤكد أن التطرف الديني والقومي والتعصب قد أثمر في العالم، سواء في الغرب أو الشرق، ما يمكن أن نطلق عليه بوادر حرب عالمية ثالثة… وأن الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح، وقبول الآخر، والتعايش بين الناس، من شأنه أن يسهم في احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية و السياسية والإقتصادية والبيئية التي تحاصر جزءً كبيراً من البشر…)
6. إننا في كندا نشجب العنف ونشجب العنف المضاد، لأنه تصرف ثأري لم يعد مقبولاً في عصرنا الحديث، وأن الخطأ يدفع بالصواب. ولعل المشرع الفرنسي يفطن إلى أن حرية الرأي بلا حدود تشكل خطراً على التعايش بين الناس وتحدث تهديداً للسلم العالمي، فيشرع من القوانين ما يحمي المجتمع من خطر الاختلاف، و يضمن للمجتمعات انسجامها ووحدتها، هذا الهدف الذي نص عليه دستورالمسلمين، القرآن الكريم في قول الله تعالى (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) صدق الله العظيم.
إقرأ أيضا : مع حرية التعبير لكن لا نقبل الإهانة !