*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
1- ولدته أمه في مدينة حماه بعد وفاة والده بأيام سنة 1904، فسمي باسم أبيه محمود بن محمود، ونشأ يتيماً في بيت والدته خديجة بنت عبد القادر الخراط، كانت شيخة لها حلقة لتحفيظ القرآن الكريم، فحفظ منها مجموعة من السور. ولما افتتحت مدرسة دار العلوم الشرعية بإدارة الشيخ توفيق الصباغ، انتسب اليها ودرس فيها على مشايخ المدينة، وتخرج بدرجة جيدة، لكنه لم يتطلع إلى وظيفة حكومية، وآثر أن يأكل من عمل يده فاشتغل بصناعة الأحذية. ولما أقيم مسجد الفلاح في حي العليليات في منطقة فقيرة، طلب منه أهل المحلة أن يتسلم المسجد، فترك صنعته وتولى أمور المسجد كلها، الأذان والإمامة والخطبة والدرس، وكان يقوم برعاية المسجد وخدمته بمعونة ولده، حتى تسلمت المسجد إدارة الأوقاف. عند ذلك دعاه صديقه الشيخ محمد الحامد رحمه الله خطيب مسجد السلطان ليتولى إمامة المسجد، فلبى دعوته ومكث بصحبته أيام حياته.
2- كان مولعاً بالعلم والتعليم والصلة بأهل الفضل من الناس. يبدأ صباحه في حلقة المشايخ مع الشيخ محمد الحامد في الجامع الجديد، ثم يقوم بتدريس المذهب الحنفي لطلاب المعهد الشرعي في التكية الهدائية، وتلاميذ المرحلة الإبتدائية فيها. ثم ينهي يومه في حلقة المشايخ مع الشيخ زاكي الدندشي رحمه الله. وبعد صلاة العشاء يقوم بتعليم الكبار في مدرسة عنوان النجاح الخاصة. وكانت له في أيام الجمعة وفي المناسبات زيارات للمجالس الشعبية في بيت الشيخ خالد وبيت عدي وبيت الريس. أما المجالس الرسمية التي يدعى إليها العلماء في المناسبات الدينية والوطنية، والوفود التي يقوم بها بعض العلماء لتأييد المسؤلين في دمشق فلم يكن يشارك فيها. وحين قدم حافظ الأسد إلى حماه لمبايعته بالرئاسة لم يذهب للسلام عليه وكان يقول: بئس العلماء بباب الأمراء.
3- كانت إمامة الشيخ للصلوات في جامع السلطان مبعث راحة نفسية له بجوار صديق عمره. أما خطبة الجمعة فقد كانت سبب معاناة له من ذوي السلطة والنفوذ. فقد كان جريئاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
في جامع الأربعين بحي البرازية وظف الخطبة لإنكار أذى بعض وجهاء الحي للناس، فقد كانوا يربطون خيولهم بجدران المنازل فيضيقون الطريق على المارة، ويطلقون كلابهم بغير عقال فيروعون الأطفال ويؤذون النساء والرجال. فأدى ذلك إلى نقمة الوجهاء عليه حتى توعده أحدهم بالقتل فترك الخطبة، وأسهم في تأسيس الجمعية الخيرية، وكان من أهم أهدافها نصرة الضعفاء ومعونة الفقراء.
وفي جامع المحسنين في حي الحوراني أنكر على جماعة من الإشتراكيين إطلاق وصف الشهيد على بعض موتاهم، ممن كان يجاهر بالكفر، فأثار ذلك مشكلة كادت تؤدي إلى جريمة فترك الخطبة. وانتهى به الأمر إلى جامع الشراباتي، فكان لا يلتزم بخطبة إدارة الأوقاف ويتناول في خطبة مختصرة مواضيع العبادة والأخلاق. ويخصص الخطبة الثانية للدعاء على المستبدين والظالمين الذين يروعون الناس ويعتدون على حقوقهم فأثار ذلك نقمة السلطة والحزب عليه فبيتوا له مكيدة لم تحصل من قبل لأحد من العلماء في حماة.
يتبع (2) في العدد القادم…