دعا البابا فرنسيس الى تعاون جميع اللبنانيين من أجل انقاذ وطنهم، وطن الرسالة، كما وصفه سلفه القديس يوحنا بولس الثاني، كما تمنى أيضاً أن “يستعيد لبنان دوره كنموذج للحوار والتلاقي بين الشرق والغرب”.
وقال: “هموم لبنان كثيرة وانا ساحمله في صلاتي من اجل ان يخلصه الله من كل الازمات”.
بدوره، أكد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي “أن الحرب التي كادت أن تقضي على عيشنا المشترك علمتنا كيف نحمي هذه الميزة الفريدة، وأننا نجاهد اليوم للحفاظ عليها رغم التحديات والمخاطر ، لأن فيها ضمانة لمستقبل اللبنانيين من دون تمييز”.
الوصول والخلوة
وكان الرئيس ميقاتي وصل الى الفاتيكان عند التاسعة بتوقيت روما (العاشرة بتوقيت بيروت) يرافقه افراد عائلته.
وبعد مراسم الاستقبال الرسمية، إستقبل قداسة البابا الرئيس ميقاتي في مكتبه وعقد معه خلوة إستمرت نصف ساعة.
وفي خلال اللقاء قال الرئيس ميقاتي: “إننا في هذه الاوقات الصعبة التي يمر بها لبنان في أمس الحاجة الى الصلاة ليقي الله وطننا الويلات والشرور ، كما أننا في أمس الحاجة الى دعم الاصدقاء على كل الصعد، خصوصا على الصعد الاقتصادية والاجتماعية”.
أضاف: “لقد كان المسيحيون في الشرق من دعائم الحريات وحقوق الانسان وحرية المعتقد، وقد وجدوا على الدوام الملاذ الآمن في لبنان ، وبقدر ما يشعر المسيحيون في لبنان بالامان بقدر ما ينعكس ذلك على جميع المسيحيين في الشرق. وانا واثق بان الكرسي الرسولي يمكنه القيام بدور كبير في هذا الاطار”.
الصور والهدايا
وبعد إنتهاء الخلوة، إستقبل قداسة البابا عقيلة الرئيس ميقاتي السيدة مي وتم تبادل الهدايا التذكارية بين البابا والرئيس ميقاتي وعقيلته، ثم التقى البابا الوفد اللبناني وإلتقط معهم الصور وقدم لهم الهدايا التذكارية.
تصريح الرئيس ميقاتي
وفي نهاية زيارة الفاتيكان أدلى الرئيس ميقاتي بالتصريح الآتي: “سعدت اليوم بلقاء قداسة البابا فرنسيس في حاضرة الفاتيكان، ونقلت اليه محبة اللبنانيين الخاصة له من كل الطوائف وتقديرهم وامتنانهم على الاهتمام الذي يوليه لهم ولوطنهم من خلال المتابعة الدائمة والحرص على ان يبقى لبنان وطن الدور والرسالة. كذلك نقلت الى قداسته تحيات فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون، واكدت دعوة فخامته لقداسة البابا لزيارة لبنان قريبا، لان جميع اللبنانيين ينتظرون هذه الزيارة وينظرون اليها بوصفها أملاً جديداً لهم، على غرار الزيارات السابقة التي قام بها عدد من البابوات وابرزها زيارة البابا القديس يوحنا بولس الثاني صاحب الشعار الشهير “لبنان أكبر من وطن، إنه رسالة”.
لقد حمّلني البابا فرنسيس “محبته الكبيرة الى اللبنانيين وتعاطفه معهم في هذه الظروف العصيبة التي يعيشونها ، مجددا ثقته بأن اللبنانيين قادرون على تجاوز المحنة ومشددا ًعلى اهمية استمرار الدور الذي يقوم به اللبنانيون وتفاعلهم مع محيطهم العربي ، ما يبقي لبنان بلدا رياديا وذا فرادة”.
وأكد قداسته انه سيبذل كل جهده في كل المحافل الدولية لمساعدة لبنان على عبور المرحلة الصعبة التي يعيشها واعادة السلام والاستقرار اليه، ولكي ينعم اللبنانيون بالعيش الكريم.
كذلك، تناول البحث الاوضاع العامة في المنطقة والتطورات التي تحصل فيها ، وكان تأكيد متبادل على اهمية تفعيل العلاقات الاسلامية – المسيحية ، وثمنت عالياً وثيقة الأخوة الإنسانية التي كان وقعها قداسة البابا وسماحة شيخ الأزهر أحمد الطيب في اللقاء التاريخي الذي كانا عقداه في الامارات العربية المتحدة عام 2016، تتويجاً لجهود مشتركة قاما بها منذ أعوام، لنشر ثقافة الحوار والتعايش بين أتباع الرسالات السماوية.
لقد طمأنت قداسة البابا والمسؤولين في الكرسي الرسولي الذين التقيتهم أن لبنان سيبقى ملتقى للحضارات والثقافات المتعددة ، وان التعايش الاسلامي والمسيحي فيه قيمة كبرى يحرص اللبنانيون ، الى اي طائفة انتموا، على حمايتها وتعزيزها لانها اثبتت انها قادرة ، على رغم ما تعرض له لبنان في تاريخه القديم والحديث ، على اعادة انتاج الصيغ التوافقية التي نهضت بلبنان من الكبوات التي مني بها . وهذه القيمة باتت نموذجا يحتذى لمعالجة ما تعرض له الوجود المسيحي من خضات في عدد من الدول العربية .
كما شددت على ان الحرب التي كادت أن تقضي على عيشنا المشترك علمتنا كيف نحمي هذه الميزة الفريدة، وأننا نجاهد اليوم للحفاظ عليها رغم التحديات والمخاطر ، لأن فيها ضمانة لمستقبل اللبنانيين من دون تمييز، وضرورة أيضا لمحيطهم العربي، وإرادة طوعية لتجاوز هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة. فالتجربة اللبنانية ليست فقط للداخل اللبناني، بل هي من خلال صيغتها المتجددة، النموذج الذي يمكن للعالم العربي الافادة منه لأنه حاجة للمجتمعات التي تتميز بالتنوع والتعدد.
لقد سمعت من المسؤولين في الكرسي الرسولي كلاما مشجعاً حول اهمية المحافظة على الوفاق الوطني بين اللبنانيين وضرورة توفير كل مقومات النجاح له، لان به خلاص اللبنانيين وقدرتهم على المحافظة على وطنهم واحداً موحداً تسوده الالفة والمحبة والتعاون بين كل مكوناته لتنمو اكثر فاكثر ثقافة الحوار والتسامح بين المسلمين والمسيحيين الذين يؤمنون بالله الواحد الاحد الذي لا شريك له ، وينبذون بقوة الضغينة وعدم التسامح والقهر والتعصب بكل اشكالها وتحت كل سماء .
لقد كانت محادثاتي مع قداسة البابا والمسؤولين في الفاتيكان فرصة لشرح توجهات الحكومة اللبنانية حيال التحديات التي تواجه لبنان ، ويسعدني ان اشير الى اني لمست ارتياحاً بابوياً لما نقوم من جهد في المحافظة على الامن والاستقرار في لبنان ومعالجة الصعوبات الهائلة التي يمر بها لبنان، وتشجيعاً على المحافظة على الاستقرار في لبنان وعلى الاستمرار في التزام الخيارات الوطنية التي يجمع عليها اللبنانيون، فضلاً عن تعزيز العلاقات بين لبنان والعالم.
ختاماً، فانني خرجت من هذا اللقاء مع قداسة البابا فرنسيس بارتياح تام خصوصاً وانه على اطلاع كامل على الاوضاع اللبنانية والظروف التي نعيشها ، ويشدد على ضرورة تعاضد كل الارادات للحفاظ على الرسالة اللبنانية ووقف نزيف الهجرة الكبير من كل الطوائف اللبنانية، وهو يعمل على ان يكون للانسان في لبنان، كما في كل دول العالم، ما يحفظ حريته وكرامته واستقلاليته ، وهي قيم لن يألو الفاتيكان جهدا في المحافظة عليها.
بعد ذلك عقد الرئيس ميقاتي اجتماعاً مع امين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بياترو باروليني في حضور عضوي الوفد اللبناني وزير العدل هنري خوري ووزير السياحة وليد نصار وسفير لبنان في الفاتيكان فريد الخازن.
وخلال الاجتماع، شدد باروليني على أن “لبنان اساسي للوجود المسيحي في الشرق وهو كان على الدوام مثالاً للعالم حول كيفية تعايش المجتمعات مع بعضها البعض”.
وأشار الى أن “لبنان يحظى باهتمام خاص من الكرسي الرسولي”، مؤكداً أن “صدقية اي حكومة ان تؤمن التزامات البلد خاصة مع المجتمع الدولي”.
وأعرب عن قلقه من الوضع الاجتماعي في لبنان والاوضاع الاقتصادية التي يرزح اللبنانيون تحتها، ونوه بشجاعة رئيس الحكومة في تحمل المسؤولية الصعبة رغم ادراكه المسبق بخطورتها.