عندما أقدمت حكومة الإحتلال الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي على وضع 6 منظمات حقوقية فلسطينية ضمن قوائم الإرهاب، رغم أنها تعمل بشكل وثيق مع الحكومات الغربية والجماعات الحقوقية الدولية، فإن هذه الخطوة قوبلت بغضب واسع النطاق من المجتمع المدني العالمي، ومثلت مفاجأة لوزارة الخارجية الأميركية.
ولكن يقول الكاتب يوسف منير في هذا التقرير الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، إن هذه الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة الإسرائيلية لا تفاجئ إلا من هو ليس متابعا لتطورات الأوضاع هناك، حيث إنها ليست إلا آخر مراتب الانحطاط التي وصلت إليها إسرائيل في سياستها لتخويف وإسكات وقمع الأصوات المعارضة لسياساتها العنصرية.
ويؤكد الكاتب -وهو باحث أول في المركز العربي بواشنطن- أن اضطهاد نشطاء المجتمع المدني الفلسطيني يمثل سياسة ممنهجة للحكومة والجيش الإسرائيليين منذ 1948.
ولكن خلال السنوات الأخيرة، مع توسع نفوذ الاحتلال الإسرائيلي في ظل تواطؤ وصمت العديد من الدول، أصبح المجتمع المدني الدولي آخر ملاذ للنشطاء المعارضين للمعاملة الإسرائيلية الوحشية ضد الفلسطينيين.
وفي بداية الألفية الجديدة، كانت جمعيات يمينية إسرائيلية وممولون وسياسيون كثر، يسعون لمعاضدة جهود الحكومة في قمع الأصوات الفلسطينية ونشطاء المجتمع المدني، وهو ما جعل هذه الأطراف موضع انتقاد كبير، خاصة أن هذه السياسة لم تستهدف فقط المنظمات المدنية الفلسطينية، بل حتى تلك الإسرائيلية.
فقد كان العديد من المنظمات المدنية الإسرائيلية موضع هجوم مستمر خلال السنوات الأخيرة، ومنذ العام 2009 -تاريخ سيطرة بنيامين نتنياهو وحلفائه اليمينيين على الحكومة- شرع هؤلاء في فرض قوانين جديدة تهدف إلى التضييق على المنظمات الحقوقية ومصادر تمويلها.
ومن بين ضحايا هذه السياسة، كانت هنالك منظمة الصندوق الجديد لإسرائيل، التي قدمت دعما خيريا للعديد من المنظمات الحقوقية الإسرائيلية، ثم تعرضت لهجمات ممنهجة.
وبعد وقت قصير، أوجدت الحكومة اليمينية طرقا مبتكرة لترهيب المنظمات الحقوقية الموجودة داخل إسرائيل وفلسطين. ولاحقا تم تدويل هذه السياسات، حيث خصصت إسرائيل وزارة بأكملها مكلفة بقيادة جهودها الدولية في هذا المجال.
هذه الوزارة المكلفة بالقمع الخارجي، والتي تسمى “وزارة الشؤون الإستراتيجية”، تحصلت على تمويلات ضخمة وخاصة في العام 2015، وظل العديد من أنشطتها طي السرية إلى غاية اليوم.
وتفتخر هذه الوزارة بأنها تعمل في مجال التنسيق والدعم وتمكين ما تسميه “الشبكة المساندة لإسرائيل”، وهي قائمة طويلة من الحلفاء الدوليين الذين يتعاونون مع وزارة القمع ويتلقون منها تمويلا مباشرا في بعض الأحيان.
وقد عملت هذه الشبكة لتمرير تشريعات غير دستورية ضد حملة المقاطعة، وأطلقت إستراتيجية قضائية تعتمد الملاحقة في المحاكم كسلاح لترهيب الجمعيات التي تراقب حقوق الفلسطينيين أو التخلص منها، حتى لو كانت جمعيات أميركية.
وخلال السنوات الأخيرة، افتخر المسؤول الإسرائيلي الأول في هذه الوزارة بأنه نجح في تجميع شبكة من الفاعلين المتحالفين، ونجح من خلالهم في تمرير قوانين قمعية في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، إلى جانب رفع العشرات من الدعاوى القضائية التي تستهدف نشطاء مدنيين حول العالم.
ومع تواتر التسريبات الإعلامية حول حقيقة دور وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية، تم إلغاء هذا الجهاز وضمه إلى وزارة الخارجية. إلا أن الخطوة الجديدة المتمثلة في وضع 6 منظمات حقوقية فلسطينية على قوائم الإرهاب، هي آخر الأدلة على أن هذه الأجندة لم تتغير.
ويتوقع الكاتب أن المنظمات المتحالفة مع الحكومة الإسرائيلية سوف تستخدم هذا التصنيف الجديد، من أجل رفع وتيرة تشويه الجماعات الحقوقية الفلسطينية أمام الحلفاء والداعمين الدوليين، بهدف إغلاقها وإيقاف نشاطها.
إذ يتوقع أن تتعرض هذه الجماعات الفلسطينية لوقف مصادر تمويلها، وتجميد حساباتها البنكية، وتعرض حلفائها لهجمات حادة، خاصة أن ذراع إسرائيل القمعية في العالم تعتمد على شبكة من الحلفاء في مختلف الدول.
ويرى الكاتب أن المنظمات المدنية المستقلة يفترض أن تكون قوى تعمل لصالح الديمقراطية، وتراقب السلطات وتوفر مساحة للمعارضة والنقاش والتوعية. ولكن الحكومة الإسرائيلية تعمل على إسكات أي صوت معارض لانتهاكاتها، وتقدم بذلك نموذجا سيئا لعدد كبير من الأنظمة الدكتاتورية في العالم.
وفي الختام يقول الكاتب إن جو بايدن تعهد بجعل حقوق الإنسان في محور السياسة الخارجية الأميركية، وإذا كانت واشنطن جادة في هذه التصريحات، يجب عليها المسارعة إلى التنديد بالقرار الإسرائيلي بتصنيف هذه المنظمات الفلسطينية، وعليها أيضا الالتزام بمعارضة المساعي غير الديمقراطية التي تبذلها إسرائيل لقمع الجمعيات المدنية.