ما كاد الحراك الحكوميّ يتكثّف من جديد، وبعد طول انقطاع، مع عودة الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري إلى بيروت، واجتماعه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، الذي وصفه المعنيّون به بـ”الإيجابيّة”، حتى كرّت سبحة التسريبات المُضادّة عن “سلبيّة طاغية”، بل عن مهلة 24 ساعة أعطاها “العونيّون” للحريري، قبل الانتقال إلى “الخطة باء”.
قول “العونيّون” إنّ الإيجابيّة التي سُرّبت بعد اجتماع بري والحريري “وهميّة”، وأنّ الأخير تجاوب “في الشكل”، لا المضمون، مع مبادرة رئيس البرلمان، مبديًا “انفتاحه” على تقديم صيغة من 24 وزيرًا، من دون أن “يراعي” فيها التوازنات المطلوبة، والملاحظات التي سبق أن قدّمها له الرئيس عون، ما يعني أنّ ما يقدّمه ليس أكثر من “مناورة” جديدة، لا تعمل في العمق أيّ مقاربة جديدة عمّا كان يطرحه في السابق.
“العقدة الحقيقيّة”
لكنّ الرواية “العونيّة” هذه، المفتقدة أصلاً للكثير من الدقّة، وفق ما يؤكد المحسوبون على الحريري والمقرّبون منه، تجد نقيضها لديهم، حيث يجزمون أنّ الحريري عاد إلى لبنان بنَفَسٍ إيجابيّ، رغم كلّ الأجواء “السلبيّة” التي كان يبثّها “العونيون” منذ تفعيل الرئيس بري لمبادرته، لحدّ اتهام الأخير بأنّه “طرف” ولا يمكنه أن يكون “وسيطًا”، قبل اللجوء إلى “التهويل”، بخياراتٍ “مُرّة”، من الاستقالة الجماعيّة إلى الانتخابات المبكرة.
يُصِرّ المقرّبون من الحريري على أنّ الأخير لم يتلقّف هذه “السلبيّة”، بل استكمل “إيجابيّته” وهو ما تمخّض عن لقائه مع بري، الذي قارب الشأن الحكوميّ بكلّ صراحة وشفافيّة، وخرج منه الطرفان بقناعةٍ بأنّ الأمور قابلة للحلّ، علمًا أنّ رئيس المجلس “استمهل” الحريري حتى يطرح النقاط التي أثيرت مع الأفرقاء الآخرين، ولا سيما “حزب الله”، وعون وباسيل، على أن يكون للنقاش الذي دار بينهما تتمّة في ضوء ذلك.
ويشدّد المحسوبون على الحريري على أنّه ليس مسؤولاً بالتالي عن “السلبيّة” التي تمخّضت عن الاجتماعات اللاحقة، والتي لم يكن خافيًا أنّ مصدرها ميرنا الشالوحي، وتحديدًا الوزير جبران باسيل، علمًا أنّ هؤلاء يؤكّدون أنّ “العقدة” الحقيقية ليست في الوزيرين المسيحيين، ولا في حصّة الرئيس و”التيار”، وإنما بكلّ بساطة في أنّ رئيس الجمهورية لا يريد حكومة برئاسة الحريري، ونقطة على السطر.
رسائل جوهريّة!
بمُعزَلٍ عن حقيقة الأجواء التي تمخّضت عن الحراك الحكوميّ المكثَّف، ثمّة رسائل لافتة ظهرت في الساعات الماضية، توازيًا مع الاجتماعات واللقاءات، لعلّ أهمّها تلك التي خرجت عن اجتماع رؤساء الحكومات السابقين في بيت الوسط، والتي أكّدت المؤكّد ولو بشكلٍ مُضمَر وغير مُعلَن، خصوصًا على صعيد التمسّك بالدستور، والوقوف إلى جانب الرئيس المكلَّف سعد الحريري في “معركته” الدستوريّة لتأليف الحكومة.
ومع أنّ بعض “العونيّين” استندوا هذا اللقاء ليشيعوا أجواء “سلبيّة”، وليقولوا إنّ عقد الاجتماع في عزّ “الاتصالات والمفاوضات”، وانتداب الرئيس فؤاد السنيورة تحديدًا ليتحدّث باسمه، لم يكن من قبيل المصادفة، فإنّ الرسائل التي حملها اللقاء كانت أبعد ما يكون عن هذه السلبيّة، إذ أكّدت على المعادلة الدستوريّة التي يعرفها الجميع، وهي حقّ رئيس الحكومة المكلّف بتأليف الحكومة، بالتفاهم مع رئيس الجمهورية.
ولعلّ شعار “لا اعتذار ولا استقالة” الذي انبثق عن اللقاء على لسان السنيورة، أو بشكلٍ أوضح “لا اعتذار ولا تنازل”، يختصر “الإيجابية” لا “السلبيّة”، خصوصًا إذا ما تلقّف فريق رئيس الجمهورية الرسالة، فالمطلوب التعاون مع الرئيس المكلَّف، بدل الاستمرار في الرهان على اعتذار من هنا، أو تنازل من هناك، والخياران غير مطروحَيْن بالمطلَق، وإذا طُرِحا فلن يكون ذلك سوى في إطار “تفاهم مُسبَق” لا بدّ منه.
يشيع “العونيّون” أن الساعات الـ24 المقبلة ستكون “حاسمة”، وأنّهم ينتظرون “ردًا نهائيًا” من الرئيس المكلَّف، ليبنوا عليه “خياراتهم” المقبلة، لكنّ هناك من يدعوهم إلى منح “مبادرة” الرئيس بري “فرصتها”، بدل الحكم عليها سلفًا، خصوصًا أنّها قد تكون الفرصة “الأخيرة”، التي لن تعوّضها كلّ الخيارات التي يتمّ التهويل بها، والتي من شأنها زيادة “التعقيد”، بدل الشروع في “الإنقاذ”!