يكشف التحقيق عن ابتزاز وتحرش جنسي بلاجئات سوريات عالقات في بلدان العبور إلى أوروبا، على يد مهربي بشر يستغلون عدم قدرتهن على دفع تكاليف رحلة التهريب عبر الجو، أو التقدم بشكوى ضدهم، ووجودهن مع أطفالهن من دون أزواجهن.
– تعرضت الثلاثينية السورية ميساء خالد (اسم مستعار)، للتحرش والابتزاز الجنسي، أثناء رحلة لجوئها إلى السويد برفقة طفلها البالغ من العمر 8 سنوات، على يد مهرب سوري يعيش في جزيرة رودس اليونانية، طلب منها 11 ألف يورو، في مقابل سفره معها، صيف 2020، إلى مدينة غوتينبرغ، جنوب غرب السويد، باستخدام جوازي سفر زوجته وطفله، ولم يتوقف الأمر عند هذا المبلغ، بل طلب التقاط صور حميمية معها، بحجة استخدامها أمام الشرطة في حال تم توقيفه أثناء السفر، لكنها رفضت، فيما أصر المهرب، الذي تحتفظ “العربي الجديد” باسمه، مدعيا أن الرحلة لن تنجح من دون ذلك، وقالت بخجل: “في مطار رودس وضع يده على جسدي، وعند حاجز التفتيش قبلني أمام الشرطة”.
تعيش ميساء، كما طلبت تعريفها خوفا من نظرة المجتمع، في مدينة مالمو، بانتظار قرار مصلحة الهجرة السويدية بلم شملها مع زوجها الموجود حاليا في جنوب تركيا. وتعد ميساء واحدة من اللاجئات السوريات اللاتي تعرضن للابتزاز خلال سفرهن من دون أزواجهن، في ظاهرة بدأت مع موجات اللجوء السورية إلى أوروبا في عام 2013، وفق ما رصدته نور الخطيب، مسؤولة توثيق الانتهاكات ضد المرأة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والتي كشفت لـ”العربي الجديد”، عن توثيق 1653 حالة ابتزاز وتحرش جنسي بلاجئات سوريات في عدة دول، أبرزها تركيا ولبنان واليونان، كما سجلت 356 حادثة استهدفت اللاجئات على يد مهربي البشر منذ عام 2013 وحتى مارس/ آذار الماضي.
مساومة العالقات
تواجه السوريات ممن يحاولن اللجوء إلى أوروبا مضايقات جنسية متكررة خلال رحلة التهريب، وهو ما وثقه معد التحقيق مع أربع لاجئات سوريات، ومنهن الثلاثينية السورية دارين المهنا (طلبت تعريفها بهذا الاسم)، والتي تقول إنها تعرضت للتحرش الجنسي من قبل مهرب مصري، ذهبت إلى شقته بمنطقة باتيسيو في العاصمة اليونانية للحصول على وثائق أصلية للاجئات تتشابه صورهن مع ملامح وجهها، وساومها، كما تقول باكية، “لم أستطع رفض تحرشاته الجنسية، عرض عليّ دفع نصف مبلغ الرحلة، 3500 يورو”، ولكنه لم ينفذ وعوده بتسفيرها. وتقول دارين، المتحدرة من ريف عفرين، شمال غرب سورية: “تعرضت للتحرش خمس مرات وبالطريقة نفسها، اضطررت للمسايرة عدة مرات، لكني عالقة في أثينا منذ وصولي في يوليو/ تموز 2020”.
يساوم المهربون اللاجئات لتخفيض تكاليف رحلة العبور
و”تتعرض النساء والفتيات اللاجئات للعنف والاعتداء والاستغلال والتحرش الجنسي في كل مرحلة من مراحل رحلتهن، بما في ذلك أثناء مراحل سفرهن في الأراضي الأوروبية”، وفق ما جاء في تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في 18 يناير/كانون الثاني 2016 بعنوان “اللاجئات يتعرضن للاعتداء البدني والاستغلال والتحرش الجنسي في رحلتهن عبر أوروبا”، واستند التقرير إلى مقابلات مع 40 امرأة وفتاة من اللاجئات في ألمانيا والنرويج كن قد سافرن من تركيا إلى اليونان ثم تابعن رحلتهن عبر البلقان. ووصفت جميع النساء شعورهن بغياب الأمن طوال الرحلة. وأفادت البعض منهن بـ”تعرضهن في جميع البلدان التي مررن بها تقريباً للاعتداء البدني، والاستغلال المالي، وتحسس أجسادهن أو الضغط عليهن لممارسة الجنس على أيدي المهربين، أو أفراد الأمن، أو اللاجئين الآخرين”.
فقر اللاجئات
يطلب المهربون مبالغ كبيرة من اللاجئات الراغبات في الذهاب بمفردهن دون أزواجهن إلى أوروبا، وتحديدا عبر الرحلات الجوية، وهو ما وثقه معد التحقيق عبر تسجيل صوتي لمهرب سوري يدعى أبو محمد البلشي (موجود في اليونان وينشط فيها)، يتحدث مع شاب سوري يريد سفر زوجته جوا من اليونان، ويُبدي استعداده للقيام بذلك عبر استخدام جواز شبيه، مقابل الحصول على 7 آلاف يورو. لكن اللاجئات السوريات غير قادرات، ولا عائلاتهن، على توفير مبالغ كهذه للمهربين، إذ يعانين من الفقر، فيقعن ضحية ابتزاز المهربين.
ويعيش اللاجئون السوريون من ذوي الموارد المالية الضئيلة أو المعدومة صراعا يوميا مع الحياة في البلدان المجاورة لسورية، إذ يعيش 9 من كل 10 لاجئين في حالة من الفقر المدقع في لبنان، و80% من 660 ألف لاجئ سوري في الأردن يرزحون تحت خط الفقر الوطني. وتوجد في لبنان ومصر والأردن والعراق 145 ألف عائلة، واحدة من كل أربع تعيلها نساء، بحسب الموقع الرسمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي تضيف “هذه العائلات تعاني في العادة من ارتفاع الديون ولا تحصل على طعام كاف، ويضطر المزيد من أطفالها للعمل، ويتعرض أفرادها لدرجات أكبر من العنف الجنسي وغيره من أشكال العنف”.
وتدرج الشبكة السورية لحقوق الإنسان الانتهاكات التي تحدث بحق المهاجرات السوريات في تلك الدول ضمن سياق ابتزاز واستغلال اللاجئات جنسياً، مقابل تسهيل عملية تهريبهن إلى أوروبا، أو خفض التكاليف المالية اللازمة لعملية التهريب، وفق الخطيب، التي لاحظت أن معظم اللاجئات اللواتي يقعن ضحية هذه العمليات ممن فقدن أسرهن أو يخضن رحلة اللجوء بمفردهن أو مع أطفالهن، ولذلك يستغل المهرب حالة الضعف التي تعاني منها اللاجئة لاستغلالها جنسياً.
وما يشجع المهرب أكثر لابتزاز اللاجئة التي تسافر بمفردها، كونها تفتقر إلى الموارد المالية لدفع كلفة الرحلة، وفق تقرير منظمة العفو الدولية، الذي استند إلى شهادات ثلاث نساء أكدن أن “المهربين ومن يعملون في شبكاتهم تحرشوا بهن أو بأخريات، وعرضوا عليهن تخفيض سعر الرحلة أو تقصير فترة الانتظار قبل ركوب القارب لعبور البحر المتوسط مقابل ممارسة الجنس”، وهو ما وقع لشينار أحمد (اسم مستعار)، التي تعرضت للابتزاز الجنسي من قبل مهرب في العاصمة اليونانية أثينا، بعد وصولها في أغسطس/ آب 2020، في مقابل تخفيض كلفة تهريبها من 5500 يورو إلى 3 آلاف يورو والتعجيل بسفرها إلى خطيبها في ألمانيا.
رفضت شينار طلب المهرب وذهبت إلى آخر عراقي الجنسية، لكنه لم يكن أفضل حالا من سابقه، إذ طلب منها في البداية صوراً شخصية بهدف تجديد جواز سفر مزور لها، ثم صوراً تظهر جسدها، كما تقول الفتاة المتحدرة من ريف الحسكة، شمال شرق سورية، وتضيف متحدثة لـ”العربي الجديد”: “ما زلت أحاول السفر جواً إلى برلين بجواز سفر بلجيكي اشتريته بـ800 يورو مع شهادة فحص (كوفيد – 19) مزورة، بعد فشلي في السفر ثماني مرات”.
وكانت شينار قد تعرضت للتحرش والابتزاز الجنسي لدى هجرتها من شمال سورية إلى كردستان العراق ثم إلى تركيا من مهربي البشر في شمال كردستان. وبعد وصولها إلى مدينة إسطنبول، في مايو/ أيار 2019، عرض عليها أحد السماسرة المساعدة في إيصالها بمهرب سوري الجنسية يمكنه مساعدتها للوصول إلى اليونان، لكنه حاول التحرش بها، كما تقول، مضيفة: “في إحدى المرات قبلني بالشارع، دون أن أستطيع فعل شيء سوى تهديده بالصراخ إذا لم يتوقف”، وتابعت بحزن: “لم أستطع فعل الكثير لحماية نفسي، لأني كنت لاجئة غير شرعية في تركيا وأتخفى باستمرار من دوريات الشرطة كي لا يتم ترحيلي إلى شمال سورية”.
ويُوقع مهربو البشر بالضحايا في البلدان الحدودية مع أوروبا، وفق ما يقول المحامي السوري إيهاب عبد ربه، الحاصل على الماجستير في القانون الدولي، والذي يعمل في مكتب Din Advokat للاستشارات القانونية في استوكهولم، لـ”العربي الجديد”، ويضيف: “المهربون ينشطون في بلدان العبور مثل تركيا واليونان في ظل غياب أي بيئة قانونية تحمي الضحايا ممن يتم ابتزازهم واستغلال رغبتهم في تحقيق حلم الوصول السريع إلى أوروبا”.
لماذا يحجمن عن التقدم بشكاوى؟
يجمع ضحايا الابتزاز الجنسي اللائي وثق معد التحقيق إفاداتهن على عدم طلبهن المساعدة من الشرطة، ولا يتوقف الأمر على الموجودات في دول العبور إلى أوروبا، كما تروي العشرينية السورية سلوى الحمصي (اسم مستعار)، التي أحجمت عن التقدم بشكوى ضد مدير مكتب للترجمة في طرابلس لديه خبرة في تسيير المعاملات غير القانونية، بعدما قايضها باستخراج وثائق لبنانية، كإفادة فقر حال (تصدر لتأكيد الحالة الاقتصادية)، وسند إقامة يثبت وضعها القانوني، ووثيقة كفالة من شخص يحمل الجنسية اللبنانية حتى تتمكن من السفر إلى إسبانيا، في مقابل دفع 1200 دولار أو الدخول في علاقة معه، لكنها رفضت، كما تقول لـ”العربي الجديد” بصوت مرتجف: “حديثه معي كان عبارة عن ابتزاز جنسي فج”.
ويعيد المحامي عبد ربه سبب رفض الضحايا طلب مساعدة الشرطة إلى وضعهن غير القانوني في بلدان العبور، إضافة إلى الخوف من انتقام المهربين، قائلا: “يتمتع مهربو البشر بالسلطة على الضحايا نظرا لحالتهم وحاجتهم لهم، والمهربون يستخدمون ذلك الضعف بكل الطرق، وبعضهم حتى لا يحققون حلم الضحايا بالوصول إلى أوروبا”.
وترفض الضحية التصريح بما وقع، أو تسجيل الحادثة لدى الجهات المختصة، بسبب وضعها الاجتماعي واضطرابها النفسي أيضا أو خوفا من مرتكب الانتهاك، اذ يصعب ملاحقة المهربين قانونياً، بحسب الخطيب، وهو ما تؤكده الخبيرة الاجتماعية هبة الله الزير، التي عملت في لجنة الإنقاذ الدولية IRC (منظمة غير حكومية تعنى بمساعدة الأشخاص الذين تحطمت حياتهم وسبل عيشهم بسبب النزاعات والكوارث)، في عامي 2014 و2015، قائلة لـ”العربي الجديد”، إن وجود الضحايا غير شرعي في تلك البلدان، فضلا عن تواصل المهرب مع الضحايا بأسماء وهمية، كما لاحظت أن اللاجئات الضحايا يواجهن صعوبة في إبلاغ عوائلهن بما حدث خوفا على سمعتهن، فضلا عن رفضهن طلب المساعدة للتخلص من اضطرابات ما بعد الصدمة، بسبب خلفيتهن الاجتماعية.
“العربي الجديد”