رغم كلّ الظروف الكارثية التي تحلّ على اللبنانيين، في ضوء تسارع مؤشرات “الانهيار” على كلّ الصُّعُد، لا شيء يوحي بتغييرٍ مرتقب على خطّ الحكومة العتيدة، التي يبدو أنّها ستبقى “رهينة” الأنانيّات المسيطرة على بعض الأفرقاء، والطموحات الوزاريّة، وربما الرئاسيّة، التي تأبى “التواضع” أمام “لقمة عيش” المواطنين.
لكن، وسط “الجمود” المسيطر على البلاد والعباد، ثمّة حراك سياسيّ لافِت بدأ يُرصَد في الأيام القليلة الماضية، تُرجِم بسلسلة لقاءات واجتماعات مثيرة للانتباه، تُوّجت بلقاء الرئيس المكلّف سعد الحريري مع رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أمس، بعد اجتماع الأخير مع رئيس “الحزب الديمقراطي اللبناني” الوزير طلال أرسلان الأسبوع الماضي.
وعلى خطّ الحِراك السياسيّ اللافت، توقف كثيرون عند الزيارة اللافتة في توقيتها ودلالاتها، وربما أبعادها، لوفد “حزب الله”، بقيادة رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، إلى روسيا، التي سبق أن التقى وزير خارجيّتها سيرغي لافروف الرئيس المكلَّف سعد الحريري، على هامش زيارته إلى دولة الإمارات، الأسبوع الماضي.
ثمّة من يربط الحِراك السياسيّ الداخليّ الذي تشهده الساحة، بما قيل إنّها “مبادرة” جديدة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، بعدما قرّر أخيرًا إدارة محرّكاته “المجمَّدة” منذ بدايات التكليف، على خلفية امتعاض “الأستاذ” من الأداء السلبيّ المحيط بالتشكيل، والإصرار على “تعقيد” التأليف بفرض الشروط والشروط المضادة.
ويرى البعض في هذه المقاربة الكثير من “الواقعيّة”، باعتبار أنّ بري قد يكون وراء “المرونة” التي أبداها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط بإبدائه “انفتاحه” على توسيع الحكومة، بعدما قيل سابقًا إنّه سبب تمسّك الحريري بصيغة الـ18 وزيرًا، منعًا لـ”إحراج البيك” عبر توسيع الحصّة الدرزيّة في الحكومة، وبالتالي تمثيل “خصمه اللدود” أرسلان، رغم ان جنبلاط اعاد بعد اجتماعه بالحريري امس التأكيد على التمسك بطرح الحريري الاساسي اي حكومة من 18 وزيرا من دون ثلث معطل.
ومع أنّ لقاءً سُجّل أيضًا بين بري والوزير غازي العريضي قد تكون له دلالاته ومعانيه، على خطّ مبادرة بري، إلا أنّ المشكلة تبقى، برأي كثيرين، في سرعة بعض الأفرقاء لـ”نعيها”، بعدما قيل إنّ الرئيس ميشال عون والرئيس المكلَّف رفضاها، علمًا أنّ الوزير علي حسن خليل كان ميّالًا إلى “السلبيّة” أيضًا، في حديثه للصحافيين على هامش جلسة البرلمان الأخيرة.
روسيا على الخطّ الحكوميّ؟
ولعلّ التصريحات التي صدرت عن رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل قبل يومين عزّزت، بشكلٍ أو بآخر، المنحى “السلبي” للأمور، باعتبار أنّه تمسّك بانتقاداته للرئيس المكلَّف، بل ذهب لحدّ الإيحاء بضرورة إقدام رئيس الجمهورية على “خطوة ما”، من دون أن يترك لـ”الصلح” معه “مطرحًا”، ولو وفق قاعدة “شعرة معاوية” الذائعة الصيت، والتي يبدو أنّ الكثير من اللبنانيين تخلّوا عنها في هذه المرحلة.
وفي حين يعتقد كثيرون أنّ الحكم على “مبادرة بري” لا يزال مبكرًا لأوانه، ولو أنّ أيّ “خرق” لم يُرصَد على خطها حتى الآن، ثمّة من يغمز من قناة “مبادرة” أخرى في الأفق، خارجيّة هذه المرّة، وتحديدًا روسيّة، ما يفسّر “استنفار” موسكو على خطّ الأزمة اللبنانية، بين لقاء الحريري الأسبوع الماضي، واستقبال وفد “حزب الله” هذا الأسبوع، في محاولة لبلورة دورٍ ما، قد يكون مهمًّا على مستوى الصراع المتفاقم.
إلا أنّ المعنيّين يستبعدون أن يرشح عن “الحِراك الروسيّ” أيّ تغيير “عمليّ” على الأرض، بل إنّ بعضهم يشير إلى أنّ الملفّ الحكوميّ لم يكن في صدارة “أجندة” اللقاء مع “حزب الله”، الذي لم يغِب عنه الشأن السوريّ المُشترَك بين الجانبيْن مثلًا. ويعتقد هؤلاء أنّ روسيا تتعاطى مع القضية اللبنانية كما يفعل المجتمع الدولي، استنادًا إلى مبدأ أنّ الكرة في ملعب القادة اللبنانيين، الذين يبقى عليهم أن يخطوا الخطوة الأولى، ويؤسّسوا لمسار الإنقاذ المطلوب.
هي “حركة بلا بركة”. هكذا يعلّق كثيرون على الحركة السياسية المستجدّة داخليًا وخارجيًا. يذهبون أبعد من ذلك، ليقولوا إنّ الحكومة تكاد تكون “الغائبة الأكبر” عن هذا الحِراك.