يستمر رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في المكابرة وإظهار نفسه في موقع القوي في حين أن تيارة يتهاوى ويتصدع بفعل سياساته التي خطفت طموحات العونيين قبل سواهم.
أعلن باسيل الورقة السياسية للتيار الوطني الحر في ذكرى 14 آذار، فضمنتها طروحات قديمة جديدة حيال الإصلاحات المالية والاقتصادية والتواصل مع القوى السياسية كافة، والتصميم على إعادة النظر بوثيقة التفاهم بينه وبين حزب الله ومراجعتها بنيّة تطويرها لا سيما في ما يتصل ببناء الدولة، خاصة وأنه يعتبر أن “تفاهم مار مخايل” لم ينجح في مشروع بناء الدولة بعد مرور 15 عاما على توقيعه. لكن يبقى الأهم تركيزه على اللامركزية المالية والادارية الموسعة والدولة المدنية، وهنا صلب مشكلته مع حليفه الأبرز والذي قد يصبح الوحيد اذا استمرا سويا في المستقبل، فكلا الطرحين يستفزا حزب الله الذي يعتبر أن اللامركزية المالية مقدمة للفيدرالية مهما حاول باسيل تلميع فكرته وطرحها بعناوين مختلفة. اما الدولة المدنية فيجب أن تقتصر بالنسبة للحزب على دولة وحدة الحقوق والواجبات بين الشعب وتلغي طائفية المواقع لكنها تبقي الرئاسات الثلاث، وبعض المواقع فقط لطمأنة الطوائف لكن لا تمس بالأحوال الشخصية. وفي سياق متصل فإن مواقف باسيل المتصلة بالحياد والاستراتيجية الدفاعية تضع إجرا في البور وإجرا في الفلاحة، لأن الوقت لم يحن بعد لاتخاذ مواقف جذرية في قضايا تعتبر بالنسبة الى حزب الله جوهرية لا سيما في ما خص العداء مع إسرائيل، في حين أنها ليست خلافات ايديولوجية بالنسبة لرئيس التيار العوني.
وليس بعيدا، لجأ باسيل إلى مقاربة مفهوم “المشرقية” معتبراً أن الانتماء المشرقي، السبيل الأفضل للمواءمة بين الهويّة والوجود، فمن وجهة نظره المشرقية تنطبق تماماً على نشأة التيار وتطلّعاته، وعلى رسالته التي تقوم على الانفتاح والتفاعل والتسامح دون التخلّي عن الخصوصية والدور والوجود. فالمشرقيّة هي حضن حضاري وثقافي والتيار يسعى لتحويلها إلى حاضنة جغرافية حسيّة لتأخذ مع الوقت شكل الكيان الاقتصادي، المتكامل مع الفضاء العربي دون التناقض معه، ودون المس طبعاً بوحدة دولها وبحدودها وسيادتها واستقلاليّة قرارها. ولبنان يجب ان يكون صاحب الدور الريادي في تأطير هذه المساحة المشرقية، حيث انّ مشرقيّتنا هي دعوة مفتوحة للسلام بين الشعوب، وليست أقليّات تتصارع بل خصوصيّات تتكامل.
يأتي كلام باسيل عن المشرقية عقب رسالته إلى الفاتيكان التي تضمنت دعوة لعقد مؤتمر لحماية المسيحيين في لبنان والشرق، والهدف من كل ذلك الايحاء للخارج لا سيما للفاتيكان ولروسيا ايضاً أن اهتمامه ورئيس الجمهورية بالمسيحيين ابعد من لبنان،الى المسيحيين في الشرق، وقطع الطريق على مبادرة البطريرك بشارة الراعي بالنسبة لعقد مؤتمر دولي حول لبنان، بيد أن العارفين بغايات باسيل، وطموحاته، يضعون طروحات باسيل في خانة السعي الى تأسيس حلف للأقليات على أساس مذهبي يضرب الدستور ويعزز الخلافات العميقة أصلا بين اللبنانين حول ماهية الكيان اللبناني في ظل التضارب بين مفهومي المشرقية والعروبة، خاصة وان مقدمة الدستور قالت “إن لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها”.
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يخرج فيها باسيل بمؤتمر صحافي أو ورقة سياسية، تحمل الكثير من التناقضات في الكثير من الملفات والقضايا الشائكة، فنائب البترون يواظب على بعث رسائل حسن النية الى الغرب رغم اندفاعته الشكلية المصلحية نحو الشرق، فهو يريد الحصول على براءة ذمة من الولايات المتحدة تؤهله التربع على عرش الرئاسة الأولى نهاية العام 2022، وكذلك الأمر مع المملكة العربية السعودية التي لن تغير، وفق المتابعين، موقفها من العهد رغم زيارة موفد رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي إلى السفير وليد بخاري، فمشكلة الرياض مع الرئيس المكلف سعد الحريري، مردها، بحسب هؤلاء، العلاقة التي نسجها الأخير مع التيار الوطني الحر الذي دأب على الهجوم عليها ويحاول التعدي على الدستور والطائف وموقع الرئاسة الثالثة، والذي لا يكف راهنا على القول ان العقدة السعودية تحول دون عملية تأليف الحكومة، هذا فضلا عن مواقفه ومواقف حليفه حزب الله التي بدلا من ان تصحح العلاقات مع المملكة زادت التوتر معها.
اذا مكابرة باسيل مهددة بالسقوط، فمغامراته السياسية الداخلية تهدد البلد بالانهيار ولن يكون بمنأى عن تداعياته، هذا فضلا عن أنه يواجه تحديات من داخل تكتله، في ظل ارتفاع اصوات عديدة من البيت العوني، منها من يميل إلى فك التفاهم مع حزب الله ويحمله مسؤولية ما وصلت اليه الاوضاع وهذه الأصوات تنسجم الى حد كبير معه خاصة بعد العقوبات الاميركية، ومنها من لا يخفي تذمره من السياسة الباسيلية الكيدية التي قطعت أواصر العلاقات مع معظم القوى السياسية وتظن أن الامور لا تعالج باستفزاز الاخر خاصة وأن الشارع العوني اسوة بكل الشوارع يعاني الامرين ماليا واقتصاديا.