كتب منير الربيع في “المدن”: اختار أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، الردّ على طريقته على تغريدة رئيس الجمهورية ميشال عون. وكان عون قد اختار طريقة غير مباشرة في تغريدة ردّ فيها على كلام مسؤولين في الحرس الثوري الإيراني حول صواريخ حزب الله في لبنان.
دروس نصرالله لعون
قال نصر الله إن الصواريخ هي التي تحمي السيادة، وأي تحسن مالي أو اقتصادي يحصل يعود الفضل فيه لهذه الصواريخ. فالمال سيأتي من استخراج النفط والغاز، والفضل في ذلك للمقاومة وأسلحتها.
في جملة واحدة ردّ نصر الله إذاً على عون وتياره، فلقّنهم درساً في الوفاء، وعَتِب على كلام تلقفه حزبه من مسؤولين في التيار العوني حول رفض التصريحات الإيرانية. فأكد لهم نصرالله أن أي قرار في لبنان يرتبط بإرادة حزب الله، وتحميه صواريخه. وهذا يعني أن عون لن يتخذ قراراً في ترسيم الحدود قبل أن يحدد حزب نصرالله موعده وتوجهاته.
وهذا يؤسس إلى مزيد من الشروخ بين الطرفين الحليفين. حزب الله ماض في تصعيده، في معركته الوجودية، حسبما قال نصر الله. والمرحلة لا مجال فيها لمراعاة الحلفاء والوقوف على خواطرهم. بل حان وقت وفائهم لكل ما أغدقه عليهم حزب الله من مكاسب طوال السنوات الماضية.
دوّامة المعضلات والتفجيرات
وتتزامن دروس نصرالله في الوفاء مع الانهيار اللبناني الشامل، وانفجار الأزمات كلها في وجه عهد ميشال عون. وعون تعوّد أن يأخذ ولا يمكن أن يعطي، حتى ولو كانت العطية لحزب الله. وقد يحاول الطرفان لجم مسببات الخلافات بينهما، لكنها أصبحت واقعاً، وأصاب الارتجاج أسس علاقتهما.
ويحصل هذا الخلاف، فيما تشهد المنطقة تطورات متسارعة، وفيما يشخص حزب الله بنظره نحو تلك الأزمات وما يمكن أن ينجم عنها، فيرى أن معضلات لبنان الداخلية كلها يجب تؤجل على وقع الاستحقاقات الإقليمية: من عملية تشكيل الحكومة، إلى ترسيم الحدود الجنوبية، والشرقية الشمالية، إلى معالجة الانهيار المالي والاقتصادي. وليست مؤجلة فحسب، بل يجب أن تكون في يد حزب الله ولا أحد غيره.
وازدحام الاستحقاقات الداخلية يناظره ازدحام الطائرات الحربية الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية. والازدحام هذا تزامن مع كلمة نصرالله، وتفجّر مخزن قيل إنه للمحروقات المهربة والغاز على الحدود اللبنانية – السورية شمالاً. كأنما أصبح سهلاً أن يشيح تفجير المواد المهربة والمدعومة النظر عن أي احتمال يعتبر أن ما انفجر هو مخزن أسلحة. وهذا مؤشر على عمق الأزمة وحراجتها.
مصير لبنان: سوريا وفلسطيين
ويشبه الوضع في جمهورية الرئيس عون وفريقه، وضع برلين في آذار 1945. ففي العهد العوني هناك من يعتبر أن لبنان عصي على أي حل أو أي مبادرة. تماماً كحال القضية الفلسطينية أو الأزمة السورية، اللتين لا بوادر نجاح أية مبادرة لحلهما، فيما تتركز المساعدات الدولية على الإنسانية في المخيمات السورية والفلسطينية، وعلى الناس البائسين.
وها قد قارب الوضع ليكون على هذه الحال في لبنان. فبدلاً من الحديث عن مساعدات لإعادة إعمار البلد المنكوب، تقتصر المساعدات للبنان على الغذائية والصحية. وقد تبلغ مسؤولون لبنانيون بأن توقعاتهم بدعم أو وساطة لتشكيل الحكومة ستكون خائبة.
المسيحيون وقاسم سليماني
في المقابل هناك صعوبة مطلقة في إقناع الشارع المسيحي بنظريات قاسم سليماني.
فالمسيحيون يرون إلى كل ما جرى في السنوات الماضية ليس سوى خسارة لكل امتيازاتهم. وهو يؤسس إلى خسارة دورهم وتأثيرهم وفاعليتهم، بل وجودهم. هم ينظرون اليوم إلى ذوبان كل ما يرمز إلى لبنان الدولة. فمشهد المطار، مثلاً، وكذلك محيطه وطريقه التي تستقبل الآتين من الخارج، لا يبدو أنه مشهد في لبنان، بل في إيران.
ولم تعد أي جهة عربية أو دولية تهتم بلبنان ولا بالوضع المزري الذي بلغه. وما من جهة تفكر في كيفية تعزيز سلطة الدولة، أو تقديم مساعدات لتمكينها من الصمود. وكأنما هناك قرار خارجي اتخذ: ترك لبنان للذراع الإيراني الأقوى في المنطقة، بلا تمييز بين الدولة والمقاومة التي يقوم بها هذا الذراع.
هذا يقود إلى استكمال الانهيار الشامل.