كتب منير الربيع في “المدن”: مزيد من العوامل الداخلية والخارجية تتزاحم لبنانياً. مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي تتفاعل. قوى مؤيدة تعمل على توسيع إطار ومروحة هذه المواقف على الصعيد السياسي، فتسعى إلى ملاقاة البطريرك في طروحاته. والهدف إنشاء تجمّع سياسي من الطوائف والمراتب المختلفة لمواكبة طرح الحياد. وقد يستعيد هؤلاء تجربة قرنة شهوان، أو ما بعد نداء المطارنة الموارنة في العام 2000.
الحياد والإصلاح
وفي هذا السياق يعمل بعض رؤساء الحكومة السابقين على ملاقاة البطريرك بشارة الراعي، الذي تحظى مواقفه بدعم خارجي، فاتيكاني ودولي. التواصل السعودي، الأميركي، البريطاني، الفرنسي، الألماني، الفاتيكاني، مستمر حول لبنان، ولا بد من رصد تبعاته في الأيام المقبلة.
أبلغ الأميركيون موقفهم الحاسم إلى الجميع بوجوب التزام لبنان مبدأ الحياد. يليه تنفيذ إصلاحات جدية وحقيقية تمكن لبنان من الحصول على مساعدات المجتمع الدولي أو صندوق النقد. عدا عن ذلك، الضغوط مستمرة. ولا تراجع دولياً، ولا على صعيد مواقف الراعي. والمواقف هذه تتقاطع مع فحوى زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان غداً الأربعاء، فيلتقي المسؤولين والقوى السياسية وفاعلين في الانتفاضة والثورة ومن المجتمع المدني.
فرنسا وحكومة اللاقرار
يأتي لودريان محملاً بموقف فرنسي واضح حول مساعدة لبنان، ولكن “على لبنان أن يساعد نفسه أولاً، ليسمح للعالم بمساعدته”. هذه هي الجملة التي سيكررها لودريان على مسامع المسؤولين الذين يلتقيهم. وخصوصاً أن المعطيات تؤكد أن فرنسا راجعت موقفها من حكومة حسان دياب، بعدما كانت منحتها فرصة، إلا أن هذه الحكومة أهدرت الفرص كلها ولم تعد مؤهلة للقيام بأي خطوة إصلاحية. ويعكس هذا الموقف الإنغلاق العربي والدولي التام أمام هذه الحكومة. فهي توصف عربياً ودولياً بأنها لا تمتلك قرارها، ولا يمكنها تحقيق أي إنجاز أو إصلاح.
قد يبحث لودريان مسألة تغيير الحكومة وتشكيل حكومة جديدة. لكن هذا ما يرفضه حزب الله حتماً. فهو لا يتنازل أبداً في لحظات التشدد والتصعيد والضغط. لا يقتنع حزب الله بتغيير الحكومة إلا عندما تبرز مؤشرات تفيد بحصول مفاوضات ما قد تؤسس لتسويات أو تفاهمات جديدة. وهذا غير مطروح حالياً. ولذا، حزب الله متمسك بالحكومة.
تبدل الرأي العام المسيحي
داخلياً، لا بد من انتظار مدى تفاعل مواقف الراعي، وحجم الاستقطاب الذي قد يحققه. وتشير مصادر متابعة إلى أن مؤسسات عديدة تجري استطلاع رأي حول الأزمة، وقد تظهر تغيراً كبيراً في جوهر النظرة اللبنانية إلى الأزمة. فسابقاً وبعيد اندلاع ثورة 17 تشرين، توجهت الأنظار إلى السلطة والقوى السياسية والنظام المصرفي، وجرى تحميلها مسؤولية الانهيار وخسارة اللبنانيين ودائعهم. اليوم هناك تبدل حقيقي وجوهري في الرأي العام اللبناني، ولدى الطوائف: تحميل حزب الله المسؤولية. وهذا ما يشيع بقوة في الشارع المسيحي، لتحميل التيار العوني مسؤولية استمراره في التحالف مع حزب الله الذي يناقض جوهر لبنان كما يراه المسيحيون.
هنا ثمة من يشير إلى أن حزب الله ارتكب خطأ قاتلاً بتبنيه هذه الحكومة ورعايتها والإعلان أنها حكومته. فهذا ألقى عليه بتبعات الأزمة والانهيار. وعندما دعا رئيس الجمهورية ميشال عون إلى لقاءات موسعة للقوى السياسية في بعبدا، كان يهدف لتحميل المسؤولية إلى الجميع، وعدم حصرها بالعهد والحكومة.
في انتظار المحكمة
وستستمر محاولات زرع الشقاق أو الشكوك بين حزب الله وحلفائه، اعتماداً على الضغوط الأميركية والتهديد بالعقوبات. وهذا ما تعتبره اشنطن قابلاً للظهور في الوسط الشيعي، فيخرج شيعة كثيرون من عباءة الحزب لأنهم لن يكونوا قادرين على تحمّل تبعات هذا الخيار.
أما على صعيد العلاقة بين الحزب والتيار العوني فإن التلويح بالعقوبات قد يغوي رئيس الجمهورية وباسيل بسحب ملف ترسيم الحدود من الرئيس نبيه بري، والشروع به لتخفيف الضغوط. وهذا ما لا يوافق عليه حزب الله في هذه المرحلة، قبل حصول تغيرات حقيقية تدفع إلى بدء التفاوض.
عوامل كثيرة قابلة لتأسيس مزيد من التوتير بفعل استمرار الضغوط، لن يكون بعيداً منها موعد صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في السابع من آب. وهناك دول كثيرة تنتظر وتراقب رد الفعل اللبناني على صدور الحكم، وكيف سيتعاطى معه تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، والطائفة السنية عموماً. وكيف سيتصرف حياله حزب الله. وتفيد المؤشرات بعدم حصول توترات تغير الوقائع، إنما لعب ضمن القواعد. لكن كل عوامل استمرار التصعيد حاضرة.