*بقلم: الأستاذ عبدالمنعم الرياحي
1- اليوم في سورية، تدخل الحرب الأهلية عامها العاشر، بعد انطلاقة الثورة في 15 مارس 2011، بدأت ثورة سلمية على حكم الفرد المستبد، فحولها بشارإلى حرب أهلية، وقابلها بقذائف الدبابات والطائرات وراجمات الصواريخ وبالغازات السامة والمواد الحارقة. حصيلة الضحايا البشرية قاربت المليون، والدمار الذي لحق بالمباني والمنشآت والحقول لا يقدر بمقدار، والنازحون ملايين في القفار وفي أعماق البحار، ولا تلوح للحرب نهاية في الأفق ولا يقر لها قرار، على حالة تذكر بحرب البسوس التي استمرت أربعين سنة.
2- والبسوس هي خالة جساس بن مرة البكري، نزلت في ضيافته بصحبة جارها سعد بن شمس الجرمي، وكانت لسعد هذا ناقة اسمها سراب، حصل أن أفلتت من عقالها وخالطت إبل كليب بن ربيعة سيد قبيلة تغلب، واسمه وائل، ودخلت في أرض جعلها حمى لإبله، فلما رآها كليب رماها بسهم فقتلها، فانطلقت البسوس ألى جساس تشكو لها عدوان كليب، وكان جساس حاقداً على كليب لما لديه من الكبرياء، فبادر إليه في خصومة انتهت بمقتل كليب.
3- جليلة أخت جساس زوجة كليب، حين بلغها الخبر صرخت بأعلى صوتها قائلة: يالك من قاتلة مقتولة، والزير أخو كليب، واسمه لدى العامة سالم وعند النسابين عدي بن ربيعة، وكنيته أو ليلى ويلقب بالمهلهل لمناسبات منها أنه نظم الشعر مبكراً، أما الزير فهو الوصف الذي غلب على اسمه وأوصافه، أطلقه عليه أخوه كليب حين وبخه على انصرافه إلى اللهو والمجون، قال له: أنت زير نساء، أي جليسهن، ولو أني قتلت لما أخذت بدمي غير اللبن، يقصد أنه يصالح ويقبل الدية مئة من الإبل. الزير حين بلغه مقتل كليب كان في مجلس لهو وخمر مع همام أخي جساس، فانصرف عنه وهو يردد قولته: اليوم خمر وغداً أمر، وبدأ يعد العدة للحرب ثأراً لأخيه.
4- واشتعلت الحرب بين الفريقين تغلب وبكر، وأعلن الزير أنه سوف يحارب حتى يعود كليب إلى الحياة:
يال بكر انشروا لي كليباً يال بكر أين أين الفرار
واستنجد البكريون بقريب لهم هو الحارث بن عباد وكان فارساً ذا قوة وذكاء، فلم يقبل مشاركتهم في الحرب، وقال قولة ذهبت مثلاً: إني لا أشارك في حرب لا ناقة لي فيها ولا جمل. وخلال أربعين سنة لم تضع الحرب أوزارها إلا بعد ما قتل الزير غدراً على أيدي اثنين من العبيد.
5- اليوم في سورية، كل امرأة جليلة تصرخ قائلة: إني قاتلة مقتولة، وكل سوري زير يطلب ثأر إخوانه، وكل حارث له في الحرب ألف ناقة وألف جمل. فالبلاء عام وشامل، وسورية فريسة لكل مفترس، وبشار غطاء لما يقع في البلاد من جرائم إبادة للانسانية وتدمير لكل مظاهر الحياة.
6- في تاريخ سورية السياسي حكم البلاد الزعيم (جنرال) أديب الشيشكلي بعد قيامه بانقلابين على حكومة الرئيس هاشم الأتاسي عام 1949، وبعد ثلاث سنوات من حكمه تمردت عليه مجموعة عسكرية في حلب في محاولة انقلاب، وكانت له قوات عسكرية كبيرة في دمشق، أعلنت عزمها على سحق العصيان في حلب، فرفض الشيشكلي إراقة الدماء واستقال من رئاسة الدولة وغادر البلاد.
7- اليوم بعد عشرين سنة من حكم بشار الأسد، وثلاثين سنة سبقتها من حكم والده، هل يفعل بشار ما فعله الشيشكلي؟. أجزم القول بأنه لن يفعل، وحتى لو أراد فإنه لن يستطيع لأن البلاد ترزح تحت الاحتلال العسكري الروسي والإيراني، وبشار ابن أبيه، وأبوه حافظ قبله لم يحفظ للبلاد سوى مطامعه الشخصية وأحقاده الطائفية ولك الله ياسورية ولشعبك المستباح، من ضراوة الأعداء ومكائد الأصدقاء الذين تصدق عليهم صفة الأعدقاء.
8- سورية يابلدنا الأم، إنها محنة طالت وقد تطول لكنها لا بد ان تزول، فقد زالت قبلها محن أيام التتر والمغول والصليبيين والفرنسيين، فصبراً على المكاره ولك عزاء في شعوب تضامنت معك وحكومات استقبلت المهجرين من شعبك، وشكراً لكندا التي كان لها منهم نصيب وافر.