تدفع أوقات الانتظار الطويلة الكثير من الكنديين للسفر خارج البلاد للحصول على الرعاية الصحية في ظل إعطاء الأولوية للعمليات العاجلة، في الوقت الذي يصل فيه معدل الانتظار في ألبرتا مثلاً لمدة 80 أسبوعاً أو ما يزيد عن 560 يوماً لإجراء جراحة لاستبدال مفصل ورك.
“أنت مريضة للغاية، لا يمكننا فعل شيء لك”، كانت هذه هي الكلمات التي قيلت لـ “أليسون دوكلوزو”، 57 عاماً، بعد شهر من تشخيص إصابتها بسرطان نادر في البطن.
بعد عدة أسابيع من الاستشارات والاختبارات غير الحاسمة، قال الجراح لها إنها غير مؤهلة للخضوع لعملية جراحية، وقد تعيش ما بين شهرين وعامين فقط، فأخذت تعاني من اليأس والإحباط بسبب خسارة صحتها، مما دفعها للبحث عن خيارات لمعالجة مرضها داخل كندا، فاكتشفت أنها بحاجة إلى جراحة متخصصة مستعجلة لعلاج مرض السرطان من المرحلة الرابعة لديها، وأنه لا يمكنها إجراء استشارة أولية مع جراح متخصص في فانكوفر قبل شهرين وبذلك تكون الاستشارة متأخرة جداً.
لذلك بدأت في البحث عن خيارات خارج البلاد، ووصلت دوكلوزو في النهاية إلى مركز ميرسي الطبي في بالتيمور، بماريلاند الأمريكية، حيث التقت بأخصائي بعد أسبوع واحد من إرسال نتائج اختبار التصوير الذي يكتشف العلامات المبكرة للسرطان، وقامت بإجراء جراحة البطن بعد أسبوعين، ورافقها زوجها في الرحلة لإجراء العملية التي وصفتها بأنها الملاذ الأخير لها.
تجربة Ducluzea ليست فريدة من نوعها، نظراً لأن أوقات الانتظار الطويلة أصبحت سمة لنظام الرعاية الصحية في كندا، لذلك فإن العديد من الكنديين اختاروا السفر خارج البلاد لإجراء العمليات الجراحية والإجراءات الطبية الأخرى في وقت قريب.
كم هي مدة الانتظار؟
كل مقاطعة وإقليم هي المسؤولة عن إدارة وتقديم الرعاية الصحية لسكانها، مما يعني أن متوسط أوقات الانتظار للعمليات الجراحية والإجراءات الأخرى تختلف في جميع أنحاء البلاد.
المعيار الكندي لجراحة استبدال مفصل الورك هو 26 أسبوعاً ، أو 182 يوماً، وفقاً للمعهد الكندي للمعلومات الصحية.
ولكن استناداً إلى تقديرات وقت الانتظار الإلكترونية الخاصة بالمقاطعات والأقاليم، ينتظر معظم المرضى وقتاً أطول من ذلك.
سجلت أونتاريو أدنى فترات انتظار بمتوسط 87 يوماً منذ الاستشارة الأولى، و 138 يوماً لجراحة الورك.
في حين أشارت بريتيش كولومبيا ونيوفاوندلاند ولابرادور إلى أن تسعة من كل 10 مرضى ينتظرون متوسط 348 و 385 يوماً لإجراء جراحة الورك على التوالي.
شهدت PEI و Saskatchewan و Nova Scotia بعضا من أطول فترات الانتظار، حيث ينتظر 90% من المرضى أكثر من 600 يوم لإجراء جراحة العظام.
كانت ألبرتا أيضاً من بين أطول فترات الانتظار المشار إليها، حيث ينتظر تسعة من كل 10 مرضى في المتوسط 80 أسبوعاً ، أو 560 يوماً ، لإجراء جراحة استبدال مفصل الورك.
بالنسبة إلى “تريفور بوكيدا” المقيم في إدمنتون، 60 عاماً، كان انتظار الجراحة يعني تحمل آلام لا يمكن وصفها.
قال بوكيدا:” أظهرت الأشعة السينية الأولية والموجات فوق الصوتية تآكلاً طفيفاً في المفاصل”، دفعه لحقن الكورتيزون، ولكن منذ شهر مارس بات الألم لا يطاق وكشفت الأشعة السينية أن حالته متدهورة تماماً حيث لم يبق هناك غضاريف على الإطلاق.
اتصل بوكيدا بعيادة ألبرتا المتخصصة في الوركين والركبتين على أمل علاج إصابته، وبعد ثلاثة أسابيع، تلقى رسالة تفيد بأنه تم قبوله في موعد لرؤية الجراح في غضون 14 إلى 16 شهراً، كما أن جراحة استبدال مفصل الورك الفعلية كانت ستستغرق تسعة أشهر أخرى.
فقرر البحث خارج كندا عن حل أسرع لألمه، وجد بوكيدا عيادةً في كاوناس، في ليتوانيا، يمكن أن ترعاه في أقرب وقت ممكن في يوليو، أي بعد ثلاثة أشهر من أحدث صورة بالأشعة السينية.
قال بوكيدا: “أكبر سبب لاختيار السفر إلى الخارج هو أنه بمجرد أن تبدأ في الانتظار ، تبدأ أشياء أخرى في الانهيار في نظامك الصحي”.
قال “ساروناس تاراسيفيسيوس” جراح الورك ورئيس جراحة العظام في نوردورثوبديكس في ليتوانيا: “هؤلاء المرضى الذين خضعوا لعمليات جراحية في وقت لاحق يحتاجون إلى مزيد من الجهد لجعل تلك العضلات تعمل مرة أخرى بشكل صحيح بسبب كون عملية التعافي تصبح أطول”. ”
قال Tarasevicius في مقابلة أن عيادته ترحب بما لا يقل عن 10 كنديين كل شهر لإجراء الجراحة، ويتوقع زيادة بنسبة 40% في عدد المرضى الكنديين هذا العام.
سارت جراحة بوكيدا لاستبدال مفصل الورك في ليتوانيا بشكل جيد وهو يتعافى الآن في منزله في إدمونتون، حيث أمضى 10 ليالٍ في الخارج ودفع ما يقرب من 12،862 دولاراً مقابل الجراحة.
وزارة الصحة الكندية ترد
وقال متحدث باسم وزارة الصحة الكندية لـ CTVNews أن هناك العديد من الاحتياجات الملحة في نظام الرعاية الصحية، بما في ذلك معالجة الأعمال المتراكمة التي تفاقمت بسبب جائحة COVID-19.
كانت أوقات الانتظار في العام الماضي للعلاجات الضرورية من الناحية الطبية هي الأطول التي سجلها استطلاع معهد فريزر، والذي وجد زيادة بنسبة 196% في أوقات الانتظار مقارنة بعقدين ماضيين.
ووجد المسح أن الكنديين اضطروا إلى الانتظار لمدة 27.4 أسبوعاً في المتوسط بين الإحالة وتلقي العلاج في عام 2022، وبالمقارنة، فقد انتظروا 9.3 أسابيع فقط في عام 1993.
في حين قالت وزارة الصحة الكندية في إعلان صدر بشهر يوليو إن الحكومة الفيدرالية “تعمل مع المقاطعات والأقاليم لتحسين جمع واستخدام وتبادل المعلومات الصحية.”
وقالت الوزارة إن جزءً من هذا العمل تضمن تخصيص 2 مليار دولار للمقاطعات والأقاليم لمعالجة الضغوط الفورية على نظام الرعاية الصحية، مثل مستشفيات الأطفال وغرف الطوارئ، فضلاً عن فترات الانتظار الطويلة للعمليات الجراحية.
وأضافت وزارة الصحة الكندية : “لا ينبغي لأحد أن يسافر إلى الخارج أو إلى مقاطعة مختلفة وأن يدفع مقابل الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها في الوقت المناسب”.
هذه فرصتي الأخيرة
بالنسبة لبعض الكنديين ، يبدو أن السفر خارج البلاد هو آخر أمل لهم.
قالت “سينا جوربوز” إنها كانت شبه مشلولة بسبب مشاكل في الظهر، ولم يتمكن جراحو الأعصاب من التوصل إلى استنتاج بشأن سبب الألم.
قالت جوربوز: “لقد وصلت إلى النقطة التي اضطررت فيها لشراء كرسي متحرك”، موضحةً أنها لا تستطيع النوم سوى ساعتين في الليلة.
ثم ، ذات يوم في كانون الأول (ديسمبر) 2021 ، بدأت تنزف دون حسيب ولا رقيب.
وقالت: “أظهر الاختبار أن لدي أوراماً حميدة (زيادات صغيرة في الأنسجة الزائدة) في الرحم وكانت سرطانية”.
وأضافت : “كان طبيب أمراض النساء الخاص بي في ذلك الوقت مرعوباً كوني لم أجرِ الجراحة التي احتاجها.”
أخبرها الأطباء أنها تعاني أيضاً من فتق في السرة، مما يعني أنها كانت بحاجة إلى ثلاث عمليات جراحية مختلفة كل ذلك بأوقات انتظار مختلفة.
تختلف أوقات الانتظار لهذه الأنواع من العلاجات أيضاً في جميع أنحاء البلاد، ففي كيبيك يبلغ متوسط وقت الانتظار لإجراء جراحة أمراض النساء في المستشفى الأقرب إلى جوربوز ما بين 11 و 15 أسبوعاً وهو إطار زمني لا يشمل انتظار الاستشارة.
تستغرق جراحات العظام فترة انتظار تتراوح ما بين 19 إلى 49 أسبوعاً.
قالت جوربوز إنها مُنحت فترة انتظار لمدة عامين لإجراء الجراحة الروبوتية اللازمة لإزالة الخلايا السرطانية في جسدها.
قالت: “كان هذا إنذاري النهائي”. “إما أن ينتهي بي المطاف بالسرطان وسوف يكون قد فات الأوان … وإذا لم أجري جراحة في الظهر فسوف ينتهي بي المطاف على كرسي متحرك بشكل دائم”.
في أغسطس الماضي، حصلت جوربوز وصديقتها على قرض، واستأجرت منسقاً طبياً للزوار، وحجزت رحلة لمدة شهرين إلى إسطنبول، تركيا، حيث أجرى جوربوز ثلاث عمليات جراحية مختلفة – أجريت اثنتان في نفس اليوم وثالثة بعد شهر واحد.
وأضافت: “كل شيء سار على ما يرام. لقد وجدت الأطباء والمستشفيات والموظفين جميعهم على أعلى مستوى”.
قالت جوربوز إن الرحلة والعمليات الجراحية كلفتها إجمالااً 50 ألف دولار.
قالت: “تمكنت من المشي بدون عصا بعد ثلاثة أيام من جراحة الظهر”.
بينما أفاد بعض الكنديين بوجود قصص ناجحة في الخارج ، أكد المتحدث باسم وزارة الصحة الكندية أن هناك ” مخاطر طبية ومالية ” مرتبطة بتلقي الرعاية خارج كندا.
“أريد أمي”.. أم تنسى أطفالها بعد الاستيقاظ من الغيبوبة.. وتعتقد أنها مازالت بعمر الـ 15 عاما
قبل سبع سنوات، كانت “كاترينا أونيل” تبلغ من العمر 29 عاماً، عندما أُصيبت بسكتة قلبية وهي تلعب البيسبول، وبقيت دون أكسجين لمدة 22 دقيقة، دخلت على إثرها في غيبوبة لمدة ثلاثة أسابيع.
بعدما استفاقت من الغيبوبة، اعتقدت “أونيل” أنها تبلغ من العمر 15 عاماً، ولم تتمكن من تذكر إنجاب أطفالها الثلاثة، الذين كانوا يبلغون من العمر سنةً وسبعاً، و10 سنوات عندما حدثت الغيبوبة.
تشعر ” أونيل” بالارتباك، إذ لم تتمكن من التعرف على الأشخاص من حولها، ولا تزال معظم ذكرياتها عن السنوات الـ 13 الماضية بعيدة عن متناول الذاكرة، كما لا زالت تواجه مشكلة في الاحتفاظ بالمعلومات.
تقول “أونيل”، التي انتقلت إلى مدينة فريدريكتون الكندية قبل أربع سنوات ولكنها كانت تعيش في كامبريدج بأونتاريو، وقت الحادثة: “عدت إلى كوني طفلة، وكل ما كنت أريده هو أمي، لأن هذا ما كان يخبرني به عقلي، إنني مجرد طفلة”.
أثناء مرحلة التعافي اعتنت والدة “أونيل” وخالتها بالأطفال، ولكن عندما أصبحت “أونيل” مستعدة لرعايتهم مرة أخرى، شعرت بأن الأمر كان مربكاً ومحبطاً في بعض الأحيان.
حالة نادرة.. لكنها معروفة
كشف طبيب الأعصاب الإدراكي وكبير العلماء في معهد روتمان للأبحاث في مركز Baycrest في تورنتو الدكتور “هوارد تشيرتكو”، إن حالة مثل حالة “أونيل” نادرة، لكنها معروفة.
ووضح “شيرتكو” إن الحصين، وهو هيكل دماغي معقد في الفص الصدغي يلعب دوراً كبيراً في الذاكرة، وقد تأثر على الأرجح بنقص الأكسجين، موضحاً أنه عندما يتوقف الدماغ عن الحصول على الأكسجين، يصبح حمضياً، وهذا يعني أن مستوى الأس الهيدروجيني في الدماغ ينخفض.
مضيفاً أن الحصين حساس للغاية للحماض، لذلك تتحلل الخلايا وتتوقف عن العمل وتموت في غضون بضع دقائق فقط، وإنه حتى عندما يتضرر الحصين، فإن بقية الدماغ لا يزال قابلاً للحياة، وهذا هو السبب في أن أشياء معينة مثل حركة “أونيل” أو إحساسها أو ذاكرتها الإجرائية لن تتأثر.
الذاكرة الحركية لاتزال سليمة
الذاكرة الإجرائية، التي تسمى أحيانا الذاكرة الحركية، لها علاقة بتعلم كيفية القيام بالأشياء، وشرح “شيرتكو” أن هذا النوع من الذاكرة لا يحتاج إلى الحصين بنفس الطريقة، ويعتمد أكثر على جزء من الدماغ يسمى المخيخ، وإن الذكريات طويلة المدى لا يتم تخزينها في الحصين، وإنما موجودة في شبكة في القشرة وسطح الدماغ.
كانت “أونيل” سائقة حافلة قبل الإصابة، وبينما لا تتذكر إي شي عن فترة تدريبها، إلا أنها عرفت مكان الفرامل الهوائية والعديد من الأجزاء التشغيلية، بعد أن جلست في حافلة بعد الحادثة.
وفي هذا الشأن بيّن “شيرتكو” إن الذكريات طويلة المدى قبل الحادث لا تزال موجودة في دماغها، وإنها فقط لا تستطيع إحضارهم إلى الوعي.
تجدر الإشارة إلى أنه يتم سرد قصة “أونيل” الآن في فيلم وثائقي جديد بعنوان Loss Yourself، والذي يتم عرضه على Accessible Media Inc، من قبل مخرج أفلام Fredericton “روبرت غاو”.
To read the article in English press here