طرأت منذ أيام، أزمة وخلاف بين مسؤولين كنسيين في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل؛ إثر اتهامات للأخيرة بممارسة التمييز ضد المسيحيين قبيل احتفالات أعياد الميلاد “كريسماس” التي تبدأ الخميس، غير أن تل أبيب تنفي ذلك وتعتبره “شائن وخطير”.
وعادة ما يصل عشرات آلاف المسيحيين من أنحاء العالم إلى مدينة القدس الشرقية المحتلة وإسرائيل، من أجل المشاركة في الاحتفالات داخل المواقع الدينية التي تعتبر الأكثر قداسة للمسيحيين حول العالم.
ففي القدس الشرقية، تقع كنيسة القيامة التي تعتبر أقدس الكنائس المسيحية وأكثرها أهمية حول العالم، أما في مدينة الناصرة (شمالي إسرائيل) فتوجد “كنيسة البشارة”، وتعتبر إحدى الكنائس الأكثر قدسية.
ولمن يستطيع الوصول إلى القدس الشرقية المحتلة والناصرة، فإنه عادة ما يتوجه أيضا إلى مدينة بيت لحم بالضفة الغربية حيث “كنيسة المهد” التي يُعتقد أن المسيح عليه السلام، وُلد فيها.
ولم يتمكن المسيحيون حول العالم من الوصول إلى الأراضي المقدسة العام الماضي، بسبب القيود التي فرضتها السلطات الإسرائيلية للحد من انتشار فيروس كورونا.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إغلاق حدودها أمام السياح الأجانب، تحسبا لظهور متحور كورونا الجديد “أوميكرون”.
** غلق الحدود بوجه المسيحيين الأجانب وفتحها لليهود
إيهاب صبّاح، مالك شركة سياحة في مدينة الناصرة، عضو مجلس إدارة رابطة السياحة الوافدة في إسرائيل، قال للأناضول إن “الحكومة الإسرائيلية أغلقت الحدود أمام السياح لبعض الدول حتى 22 من الشهر الجاري ودول أخرى حتى 29 الجاري”.
وأضاف مستنكرا: “لكن الحكومة الإسرائيلية سمحت لمجموعات يهودية لا تحمل الجنسيات الإسرائيلية بالدخول في حين منعت الأجانب”.
وبحسب وسائل إعلام عبرية، فإن هناك حديث عن قيام شركة بجلب يهود شبان من حول العالم في رحلات مجانية إلى إسرائيل.
وأشار صباح إلى أنه “تم توجيه تساؤلات إلى الحكومة الإسرائيلية عن سبب منع السياح الأجانب المسيحيين من الدخول بالوقت الذي يتم فيه منح استثناءات لمجموعات معينة”.
وأوضح أن أعداد السياح الأجانب الذين كان من المتوقع حضورهم ولم يتمكنوا بسبب القيود الإسرائيلية يصل إلى 10 آلاف سائح.
وتابع صباح: “لدينا تساؤلات مشروعة فمن ناحية تقول الحكومة إنه لا توجد استثناءات ومن ناحية أخرى هناك من يدخل من باب خلفي، ونحن لا نفهم على أي أساس يتم منح الاستثناءات سيما وأن الموضوع يضر بعملنا لأننا غير قادرين على جلب الحجاج المسيحيين”.
** تمييز عنصري
وكان متحدث إعلامي باسم مجلس الأساقفة الكاثوليك في الأرض المقدسة، أشار إلى أن السلطات الإسرائيلية تفرض قيودا على دخول المسيحيين لا تفرضها على يهود أجانب لا يحملون الجنسية الإسرائيلية.
وكتب وديع أبو نصار، الناطق باسم مجلس الأساقفة الكاثوليك في الأرض المقدسة، الأربعاء، عبر صفحته على “فيسبوك” إنه “لا يمكن القبول بأي تمييز عنصري”.
وأضاف: “تحدثت إلى وزير السياحة الإسرائيلي (يوئيل رازفوزوف) كما خاطبت عددا من الجهات المحلية والدولية معبرا عن استهجاني من قرار السلطات الاسرائيلية السماح لبعض اليهود الأجانب (الذين لا يحملون الجنسية الإسرائيلية) زيارة البلاد، في حين تمنع الدولة الحجاج المسيحيين من القيام بذلك”.
وأشار نصار إلى أن “إسرائيل سمحت لرحلات تنظمها مؤسسة تجليت ليهود من المهجر زيارة البلاد بالرغم من التشديدات الحالية المتعلقة بتفشي وباء كورونا. في الوقت ذاته يُمنع دخول الآلاف من الحجاج المسيحيين المطعمين المعنيين بزيارة بلادنا”.
وتابع: “تشاورت أيضا مع بعض المستشارين القانونيين وكلهم أجمعوا بأن مثل هذا التمييز غير قانوني، إضافة إلى كونه غير أخلاقي”.
وناشد أبو نصار “السلطات الإسرائيلية معاملة جميع من يرغب بزيارة البلاد بصورة مساوية دون أي تمييز بين دين وآخر”.
** تل أبيب ترفض الاتهامات “المعادية للسامية”
وزارة الخارجية الإسرائيلية، بدورها، رفضت هذه الاتهامات ووصفتها بأنه “شائنة وخطيرة”.
وقالت في تصريح مكتوب أرسلت نسخة منه للأناضول، الخميس: “ترفض دولة إسرائيل وتدين الاتهامات بأي تمييز ديني فيما يتعلق بمنح تصاريح الدخول إلى إسرائيل”.
وزعمت الخارجية أن “هذه المزاعم التي لا أساس لها من الصحة بشأن السلوك التمييزي شائنة وكاذبة وخطيرة”.
وتابعت: “نتوقع من الزعماء الدينيين عدم الانخراط في خطاب كراهية وتحريض لا أساس له من الصحة والترويج له، والذي لا يؤدي إلا إلى صب الزيت على نار معاداة السامية ويمكن أن يؤدي إلى العنف وإلحاق الأذى بالأبرياء”.
وأشارت الخارجية إلى أن تفشي فيروس كورونا ومتحور “أوميكرون” أدى إلى تغيير اللوائح والإجراءات المتعلقة بالدخول إلى إسرائيل، تمامًا كما فعلت العديد من الدول الأخرى، وتشمل هذه التغييرات للأسف حظر دخول السياح إلى البلاد”.
وقالت إنه “في ضوء هذا الوضع، أنشأت حكومة إسرائيل لجنة استثناءات تتعامل مع مئات الطلبات كل يوم، وتفحص اللجنة كل طلب دون تحيز أو تمييز تجاه أي عرق أو دين”.
وبحسب الوزارة الإسرائيلية “أصدرت لجنة الاستثناءات في الأيام الأخيرة تصاريح عديدة لليهود والمسيحيين، بعض الطلبات التي تمت الموافقة عليها كانت تلك التي جاءت من سلطات الكنيسة في إسرائيل، بما في ذلك تصاريح للكهنة بدخول البلاد في الأعياد المسيحية القادمة”.
** محاولات إسرائيلية ممنهجة لطرد المسيحيين من القدس
لكن تصريحات أبو نصار جاءت بالتزامن مع بيان شديد اللهجة أصدره بطاركة ورؤساء الكنائس في القدس ولم تتطرق إليه وزارة الخارجية الإسرائيلية.
وقال البطاركة في بيان حصلت الأناضول على نسخة منه: “في جميع أنحاء الأرض المقدسة، أصبح المسيحيون هدفًا لهجمات متكررة ومستمرة من قبل الجماعات المتطرفة (الإسرائيلية)”.
وأضافوا: “منذ عام 2012، كانت هناك حوادث لا حصر لها من الاعتداءات الجسدية واللفظية ضد الكهنة ورجال الدين الآخرين، والهجمات على الكنائس المسيحية، مع تخريب الأماكن المقدسة بانتظام وتدنيسها، وترهيب مستمر للمسيحيين المحليين الذين يسعون ببساطة إلى العبادة بحرية وممارسة حياتهم اليومية”.
وتابع البطاركة في بيانهم، الأربعاء: “يتم استخدام هذه التكتيكات من قبل هذه الجماعات المتطرفة في محاولة منهجية لطرد المجتمع المسيحي من القدس وأجزاء أخرى من الأرض المقدسة”.
واشتكى البطاركة من “فشل السياسيين المحليين والمسؤولين ووكالات إنفاذ القانون المحلية في كبح أنشطة الجماعات المتطرفة التي تقوم بانتظام بترهيب المسيحيين المحليين والاعتداء على الكهنة ورجال الدين وتدنيس الأماكن المقدسة وأملاك الكنيسة”.
واستهجنوا في ذات السياق محاولات جمعيات استيطانية إسرائيلية الاستيلاء على أملاك للكنيسة في البلدة القديمة من مدينة القدس الشرقية بما فيها فندقي “أمبريال” و”بترا” في باب الخليل.
وقال البطاركة: “تستمر الجماعات المتطرفة في الاستحواذ على ممتلكات استراتيجية في الحي المسيحي، بهدف تقليص الوجود المسيحي، وغالبًا ما تستخدم المعاملات المخادعة وأساليب التخويف لطرد السكان من منازلهم، مما يقلل بشكل كبير من الوجود المسيحي، ويزيد من تعطيل طرق الحج التاريخية بين بيت لحم والقدس”.
وشهدت السنوات القليلة الماضية العديد من الهجمات التي نفذها متطرفون إسرائيليون على مواقع دينية مسيحية في القدس الشرقية المحتلة وإسرائيل تحت عنوان “تدفيع الثمن”.
و”تدفيع الثمن” هي هجمات ينفذها مستوطنون إسرائيليون على ممتلكات فلسطينية ومواقع دينية إسلامية ومسيحية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، والمدن والبلدات العربية في إسرائيل.