تحت غطاء “تكتيك” رعته روسيا، وحمل اسم “عملية المصالحة”؛ انتهى في سبتمبر/أيلول 2021 آخر وجود للمعارضة المسلحة في جنوبي سوريا، وعاد جيش النظام وأجهزته إلى درعا وكل المحافظات التي تمردت عليه منذ عام 2011 في وسط البلاد -وضمنها العاصمة دمشق- وغربها وجنوبها.
وباستثناء قطاع في ريف درعا الشرقي، يسيطر عليه المعارض السابق أحمد العودة قائد اللواء الثامن، الذي أسسته القيادة الروسية ومولته منذ عام 2016 ضمن ما عُرف بالفيلق الخامس؛ أنهت أكثر من 50 بلدة وناحية وقرية -بين السادس من سبتمبر/أيلول و25 سبتمبر/أيلول الماضي- تسوية أوضاع ما بين 7500 و8000 شخص. من بينهم 3 آلاف عسكري فارّين، أو مطلوبين للخدمة العسكرية، حسب صحيفة “الأخبار” اللبنانية، كما فاقت أعداد قطع السلاح المصادَرة 3500 قطعة فردية ومتوسّطة.
وحصل مسلحو المعارضة مقابل ذلك على ما تعرف ببطاقة “تسوية” تتيح لهم العودة إلى حياتهم الطبيعية قبل الحرب، من دون ملاحقات أمنية. وفي حين خرج المقاتلون الرافضون إلى محافظة إدلب (أقصى الشمال) انتشر الجيش السوري مع عناصر القوى الأمنية، في أغلب النقاط الأساسية والمفصليّة في عموم محافظة درعا.
مرت عملية المصالحة بمرحلتين؛ غطت الأولى الفترة بين عامي 2013 و2016، وكانت عبارة عن هدنات محلية الطابع يرعاها الفرقاء المتحاربون مباشرة، أو وجهاء محليون، ووزارة المصالحة التي أسست بمرسوم رئاسي عام 2012، وتولاها زعيم الحرب القومي السوري الاجتماعي علي حيدر.
وفي حالة نادرة، كان مكتب ممثل الأمم المتحدة ستيفان ديمستورا يرعى هدنة حي الوعر بحمص في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2015.
وكانت الهدنات تستهدف إيجاد تسويات تتيح إخراج الجرحى وإطلاق المعتقلين، وإيصال الغذاء والدواء إلى البلدات والقرى المحاصرة في ريف دمشق، أو في أحياء داخل مدن دمشق وحمص وحلب.
وكانت أغلب الاتفاقات تنتهي بتجدد القتال، بمبادرة من جيش النظام في أغلب الحالات، لكن الأمر اختلف اعتبارا من هدنة أحياء حلب الشرقية في 13 ديسمبر/كانون الأول 2016، التي أتاحت لمقاتلي المعارضة مغادرتها، بناء على اتفاق روسي-تركي.
وبدأ بعدها ضباط مركز حميميم الروس التدخل كوسطاء -وليسوا جهة داعمة للنظام وجيشه- لضمان التسويات الجديدة التي أطلق النظام عليها مسمى “المصالحة”.
و”ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ” -حسب توصيف المجموعة الدولية للأزمات- ﻤﺼﻄﻠﺢ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻪ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻟﻮﺻﻒ ﺍﻵﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮﻡ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺑﺈﻋﺎﺩﺓ ﺍﺳﺘﻴﻌﺎﺏ ﺍﻟﻤﻨﺎﻁﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺴﻴﻄرت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ عبر ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﺳﺘﺴﻼﻡ ﺗﻔﺎﻭﺿﻴﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻤﺼﻠﺤﺘﻪ.
ﻭﻫﻲ ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻋﻮﺩﺓ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﻭﺧﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻭﺇﺟرﺍء ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻓﻲ ﺧﻠﻔﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻷﺟﻬﺰﺓ ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﻭﺗﺠﻨﻴﺪ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ في ﺴﻦ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺇﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﻴﺶ اﻠﻨﻈﺎﻡ وﺗﺴﻮﻳﺔ ﺃﻭﺿﺎﻋﻬﻢ ﻗﺒﻞ ﻣﻨﺤﻬﻢ ﺍﻟﻌﻔﻮ ﺭﺳﻤﻴﺎ، ﺃﻭ في ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﺮﺩﻳﻔﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﺸﺮﺓ ﻣﺤﻠﻴﺎ، ﺃو ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻁﻖ ﺃﺧﺮﻯ، ﺃﻭ في ﺍﻟﺸﺮﻁﺔ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ.
أما المقاتلون ﻭﺍﻟﻤﺪﻧﻴوﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺮﺍﻏﺒﻴﻦ في ﺧﻀﺎﻉ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﺩﻣﺸﻖ، ﺃﻭ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﻌدّﻫﻢ ﺩﻣﺸﻖ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﻴﻦ ﻟﻠﻤﺼﺎﻟﺤﺔ؛ فيتم ترحيلهم ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺎﻁﻖ ﺧﺎﺭﺝ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﻨﻈﺎم.
كان تدخل روسيا في الحرب إلى جانب النظام جعل هزيمة المعارضة السورية المسلحة في الميدان ممكنة، حيث لم يبق أمام الرافضين من مقاتليها للتسويات سوى الجلاء باتجاه محافظة إدلب.
حدث ذلك اعتبارا من ديسمبر/كانون الأول 2016، عندما قلبت موسكو كفة الحرب لصالح النظام بإرسال قاذفاتها لقصف المدن والتجمعات المناهضة للنظام، وهو ما أتاح له الفرصة للانتقال إلى الهجوم، ثم أتت تفاهمات في الرابع من مايو/أيار 2017، المعروفة “باتفاقات أستانا لخفض التصعيد” مع إيران وتركيا اللتين تدخلتا مبكرا في الحرب بأشكال وأساليب مختلفة.
جاء بعد ذلك توجيه أصدره الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني 2018 بإنهاء 4 أعوام من عمل ما كانت تعرف “بغرفة الموك” (Military Operations Center – MOC)؛ وهي مشروع أميركي بتمويل أميركي خليجي مشترك، كان هدفه دعم فصائل المعارضة في جنوب سوريا بالمال السلاح، انطلاقا من شمال الأردن.
وكانت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية والأردن شركاء في مشروع “غرفة الموك”، ثم انخرطت كل من واشنطن وعمان مع موسكو في صفقات أحادية تناولت خفض التصعيد في جنوب سوريا.
فقد اتفق الرئيسان دونالد ترامب وفلاديمير بوتين خلال قمة هامبورغ لمجموعة العشرين في السابع من يوليو/تموز على مذكرة تفاهم لخفض التصعيد في الجنوب السوري بعد اتصالات شارك فيها دبلوماسيون أردنيون، وانتهت بتأسيس “مركز عمان للمراقبة” في أغسطس/آب 2017 للإشراف على وقف إطلاق النار.
واختتمت اتصالات الأطراف الثلاثة حول الجنوب السوري بصدور بيان وقعه الرئيسان الروسي والأميركي في ختام قمة على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي في دانانغ الفيتنامية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، لكن البيان ومذكرة التفاهم لم ينشرا قط.
وفي حين كانت تركيا وإيران شريكتين في تطبيقات “خفض التصعيد” في محافظة إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية منتصف سبتمبر/أيلول 2017، سجلت مشاركة مصرية في ترتيبات خفض التصعيد بالتفاهم مع مقاتلي المعارضة في الغوطة الشرقية وريف دمشق الجنوبي في يوليو/تموز ثم أكتوبر/تشرين الأول 2017 على التوالي.
حولت موسكو اتفاقية خفض التصعيد التي ابتدعتها إلى وسيلة لإنهاء وجود المعارضة المسلحة، وإعادة فرض سيطرة النظام على المناطق التي خسرها بالتدريج. وفي حين أوكلت لمركز حميميم ولشرطتها العسكرية رسم بنود التسوية أو المصالحة الملائمة لكل منطقة؛ دخلت روسيا في سباق مع الأميركيين للسيطرة على الأراضي التي كان يحتلها تنظيم الدولة الإسلامية.
ففي حين سيطرت واشنطن عبر حلفائها الأكراد على مناطق شرق الفرات، تمكنت موسكو من انتزاع أغلب مناطق نفوذ تنظيم الدولة في البادية السورية وغرب الفرات وصولا إلى دير الزور.
كما توصلت روسيا إلى اتفاق غير معلن مع إسرائيل يسمح للنظام باستعادة السيطرة على المنطقة الجنوبية، شريطة إبعاد المليشيات التابعة لإيران من المناطق الحدودية الواقعة بين سوريا والجولان المحتل.
في الوقت الراهن ينحصر حاليا وجود المعارضة المسلحة في محافظة إدلب وأريافها، حيث السيطرة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، إلى جانب تواجد في ريف اللاذقية وأرياف حلب والرقة غربي نهر الفرات حيث تتواجد القوات التركية.
وتفتقر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المسيطر عليها من قبل الأكراد للسيطرة على محافظات بكاملها، بل على مدن في محافظات حلب، والرقة، والحسكة، ودير الزور، حيث يسيطر النظام على مراكز مدن دير الزور، والميادين، والبوكمال، والقورية، والعشارة، وموحسن. في حين تسيطر “قسد” على 3 أرياف: الغربي، والشمالي، والشرقي، وتضم أكثر من 35 بلدة وقرية ومدينة.
وفي ما يخص وجود تنظيم الدولة في سوريا، فلم تعد له سيطرة فعلية على أي منطقة في الجغرافيا السورية، وليس لديه انتشار حقيقي على الأرض، وإنما تقوم بقايا خلاياه بتنفيذ هجمات ضد قوات النظام والمليشيات الإيرانية.
وتتركز هجمات التنظيم في مناطق البادية السورية بريف السويداء الشمالي الشرقي وبريف حمص الشرقي (قرب منطقة السخنة) وفي ريف حلب الشرقي (قرب مناطق خناصر ومسكنة) وفي ريف دير الزور الجنوبي الشرقي وبريف الرقة الجنوبي.
أما النظام فبقي محتفظا بسيطرته على طرطوس واللاذقية والسويداء، وضم إليها باقي محافظات الوسط والجنوب.
فريق العمل:
محررون : محمد العلي، وعمر يوسف، وزهير حمداني
خرائط وتصاميم: قسم الملتيميديا