في موازاة الجهود التي بذلها “حزب الله” لمصالحة “التيار الوطني الحر” وتيار “المردة” وتحقيق هدنة سياسية بينهما تمهيدًا للحدّ من الإشتباكات الإنتخابية بينهما لاحقًا، وتحديدًا في الشمال، باشر الحزب وساطة سياسية وحوارًا مكثّفًا بين حلفائه، ولا سيما بين الرئيسين
ميشال عون ونبيه بري، بهدف تنظيم الخلافات بينهما حول الكثير من الملفات، بما يسمح بتسويات تمنع أخذ البلاد الى مواجهة كبيرة عشية الإنتخابات النيابية. فالإتصالات، وفق مصادر خارج “الثنائي الشيعي”، تهدف إلى إحياء تسوية سبق أن طُرحت قبل أسبوعين بين حركة “أمل” و”التيار الوطني الحر” لحل أزمة ملف التحقيقات والعودة الى الحكومة. وهي تقوم على تفهّم مطالب “التيار الوطني” في قانون الإنتخابات، مقابل تأمين التيار النصاب القانوني في جلسة خاصة لمجلس النواب تعيد ملف ملاحقة الرؤساء والوزراء في قضية المرفأ الى المحكمة الخاصة بهم ووقف ملاحقتهم من قبل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. ومع أن الأجواء كانت إيجابية، لكن بدا أن ثمة من لا يريد إعطاء هدايا مجانية للآخرين، علما أن التعديلات المقترحة على قانون الإنتخابات لا تضّر “الثنائي الشيعي” وقواعده الإنتخابية في لبنان أو على صعيد الإغتراب. فبعد المواقف التي أطلقها النائب جبران باسيل في الساعات الماضية ردّ المكتب السياسي لحركة “أمل” سيرد عليه بنبرة عالية، ولكن من دون أن يسمّيه”، وقال في بيان له أمس: “كل الحديث عن مقايضاتٍ في الشأن القضائي لا أساس أو قيمة لها، وهذا ما ترفضه الحركة ورئيسها، وأن ما حصل مع غبطة البطريرك الراعي خلال زيارته الاخيرة لعين التينة وبعدها لقاءات الرئيس بري مع رئيسي الجمهورية والحكومة يؤكدان الحرص على تصحيح المسار القضائي عبر الإلتزام بنصوص الدستور والقانون، وهذا ما عبّر عن تأييده غبطة البطريرك وفخامة الرئيس وتم استهدافه من قبل التعطيليين الذين أصبح كل اللبنانيين يعرفونهم. بكثير من الواقعية يقول مصدر مطلع على العلاقة بين الطرفين إن الهّوة تتعّمق بينهما أكثر فأكثر. فمثلا هناك مصلحة مشتركة بين التيار و”أمل”، واستطرادًا “حزب الله“، في قبول الطعن بقانون الإنتخاب لجهة إقتراع المغتربين وحصر تصويتهم بنواب الإغتراب الستة على اعتبار أن هذا “البلوك” قد يؤثر في النتائج في بعض المناطق في حال تصويتهم لـ128 نائبا، ومع ذلك يتقدّم الخلاف السياسي على المصلحة المشتركة ويحول دون تفاهمات من هذا النوع. في المقابل، تنفي أوساط “التيار الوطني الحر” وجود أي مقايضة بينه وبين حركة “أمل”، والدليل إلى ذلك دعوة الهيئة السياسية في “التيار” مجلس النواب إلى الإنعقاد لإقرار سلسلة قوانين ملحة، ولمساءلة الحكومة عن سبب عدم إجتماعها، وهذا يعني مساءلة الركنين الأساسيين في الحكومة “أمل” و”
حزب الله” المسؤولين عن تعطيل إجتماعات مجلس الوزراء. فـ”حزب الله” يريد الإنتهاء من قضية التحقيق في تفجير المرفأ بأي ثمن. وقد كان كلام أمينه العام السيد حسن نصرالله الأخير في هجومه على القضاء واضحًا. وهذا لا يوحي بإمكان الوصول إلى إتفاق، بل يحمل مؤشرًا تصعيديًا ضد القضاء كله بوصفه إستنسابيا ومسيّسا، في الوقت الذي تعتبر فيه مصادر مراقبة أن رفع السيد نصرالله السقف إلى هذا الحد، هدفه إيصال رسائل التحذير إلى الجميع بأنه حان وقت التسوية والمقايضة في الكواليس، والعودة إلى القواعد التي طرحت سابقا، وهي حصر تحقيقات الرؤساء والنواب والوزراء بمجلس النواب، وقبول طعن التيار العوني بتعديلات قانون الإنتخاب. هذا في العلن، أما المستور، فيتعلق الأمر بإمكان التفاهم الإنتخابي بين العونيين وحركة “أمل” بقيادة “حزب الله“. وقد تكون الحسابات الإنتخابية الدافع الوحيد الذي يفرض التسوية المرفوضة من قِبل الحركة حتى هذه اللحظة، مما يعني أن “حزب الله” فشل في تحقيق أي تقدّم في ملف المصالحة بين “التيار” و”الحركة”.