وفعلياً، فإن أمر تلكَ المخاوف يرتبطُ بممارسات سابقة رسّخت نفسها، وثمة من يقول أن الهدف الأساس لتأخير موعد الانتخابات يرتبطُ بأجندةٍ باتت واضحة المعالم، وتتحدّد بمدى استعداد القاعدة الشعبية والسياسية لخوضِ المعركة في الوقت المناسب.
على أساس التوقيت، فإن المُهل باتت تضيق، ومما لا شكّ فيه هو أن أي دخولٍ في تعديل للقانون الحالي يحتاجُ إلى توافقٍ تام بين جميع الأطراف السياسيّة، والأكيد هو أنه ما من جهة ستسمحُ بوجود ثغرات ضمن القانون تساهم في خرقها أو تقليل فرصِ نجاحها. فبالنسبة لجهاتٍ مُنيت بخسائر في انتخابات العام 2018، فإن المطالبة بتحقيق التعديلات هو أمر أساسي، وإن تطلب ذلك اتخاذ قرار بـ”تأجيل تقني” للاستحقاق، ما يعني تأجيلاً حتمياً للانتخابات.
وبعيداً عن التوازنات السياسيّة والتكتلات الانتخابية، فإنّ الظروف التي أحاطت بانتخابات عام 2018 تختلفُ تماماً عن الظروف الحالية والتي سترافق انتخابات العام 2022. فاليوم، البلد يعيشُ انهياراً كاملاً وأصبحت نسبة كبيرة من الشعب اللبناني داخل دوامة الفقر. كذلك، فإنّ مجمل الأوضاع المعيشية مُتدهورة في حين أن الثقة باتت معدومة بغالبية الطبقة السياسية الحاليّة وسط عدم وجود بديل موثوق.
ورغم أن المجتمع الدولي يصرّ على إجراء الانتخابات في موعدها، إلا أن ما لا يمكنُ إغفاله هو أن الدول لم تشدّد كثيراً على نقطة تغيير القانون الانتخابي، كما أنها لم تعطِ الأولوية لإجراء تعديلات عليه، مع العلم أن المطالبة المُستمرة كانت بإجراء انتخابات على أساس القانون النسبي، وأن يكون لبنان دائرة واحدة. وفي إطار المقاربة، فإن لهذا الأمر أبعاد عديدة مختلفة تتلخص في التالي:
1- إن لعبة التوازنات داخل لبنان باتت معروفة لدى الجميع، وبالتالي فإن مراعاة هذا الأمر يتصدّر أي أولوية أخرى باعتبار أن ضرب للتوازنات من خلال قانون انتخاب لا يضمن الجميع، يعني انزلاقاً نحو اقتتالٍ دموي ورسم ملامح جديدة للواقع السياسي.
2- كذلك، فإنّ المجتمع الدولي لا يعنيه حالياً القانون بقدر ما يعنيه اتمام الاستحقاق الانتخابي، لكن هذا الأمر يكشف عن تناقض واضح: كيف يمكن للدول الفاعلة أن تتحدث عن فقدان الثقة بالطبقة الحالية وفي الوقت نفسه تشدد على إجراء انتخابات بقانون أوجدته نفس الطبقة التي أضحت الثقة بها معدومة داخلياً وخارجياً؟
3- بشكل أو بآخر، قد يكونُ المجتمع الدولي ترك مجالاً للطبقة السياسية لإخراج نفسها من المأزق الحالي عبر الانتخابات القادمة وذلك وفق القانون الذي تريده. وهنا، فإن هذا الأمر يرتبطُ بعامل أساسي وهو أن الدول لا تريدُ “فرط النظام” بهذه السهولة، والسّعي بات واضحاً للحفاظ عليه مع إدخال بعض التعديلات ضمنه في الشكل وذلك عبر خروقاتٍ انتخابية ونيابية في مناطق عديدة بموافقة الطبقة السياسية الحالية. وهنا، فإنّ هذه الخروقات التي سينفذها “خصوم السلطة” من المجتمع المدني، قد تكون مدعومة بغطاء خارجي مباشر وغير مباشر وذلك عبر القوة المالية بالدرجة الأولى.
أما على الصعيد الداخلي، فإن الأكيد هو أن كل الأحزاب مأزومة كما أن الأوضاع والظروف انقلبت ضدها. واليوم، فإن الأمر الذي تسعى إليه جميع الجهات هو تحقيق مكاسب فعلية على أرض الواقع لجذب أكثرية الناس إليها مجدداً. وهُنا، قد تستغل بعض الأطراف التوقيت الحالي قبل الانتخابات لتغيير بعض الظروف والافراج عن أمورٍ قد يتم التسويق لها على أنها تُريح الناس.
في المقابل، فإن أبرز الأوراق التي قد تستغلها كل جهة في الانتخابات تتحدد في التالي: اعتماد خطاب موجه أمام جمهورها يشير إلى أنها وافقت وسهلت الاصلاحات من أجل الناس – السعي أمام جمهورها لتعبيد الطريق أمام البطاقة التمويلية من أجل تحقيق أقصى استفادة منها – الموافقة السريعة لتنظيم قطاعي المحروقات والكهرباء عبر طرح خطواتٍ آنية تصوّر للناس أن الجهة السياسية حققتها من أجلهم – استخدام وسائل عديدة لتخفيضِ سعر الدولار في السوق الموازية إلى ما دون الـ10 آلاف ليرة كما تقول بعض توقعات الخبراء – التسهيل على الناس في المصارف من خلال الحصول على جزءٍ يسير من الايداعات وبالدولار.
وبالنظر إلى كل ذلك، فإنه في حال لم تنجح الجهات السياسية في تحقيق كل ذلك، فإن الطريق أمامها سيكون محاطاً بالعوائق والعراقيل، في حين أن اللعب على “الوتر المذهبي والطائفي” لن يُجدي نفعاً بعد الآن. وخلاصة القول هو أن مصلحة كل جهة سياسية تقتضي تأجيل الانتخابات لتحقيق بعض المكاسب على الأرض أولاً وضمان أن القواعد الشعبية قد التفت حولها ثانياً، وبعد ذلك يمكن الانطلاق بزخم كبير نحو استحقاق يضمنُ التجديد للأحزاب بأقل خسائر ممكنة.