اتهمت المعارضة السورية النظام بمحاولته الهروب من الاستحقاقات السياسية الدولية ومن جرائمه بحق الشعب، عبر إجرائه الانتخابات الرئاسية، ودعت المجتمع الدولي إلى الضغط عليه للالتزام بالانتقال السياسي.
واعتبرت المعارضة أن هذه الانتخابات غير مشروعة وغير معترف بها في كثير من دول العالم، ولا تستند إلى القرارات الأممية، إذ لم يُسمح إجراؤها في دول كثيرة، تأكيداً لرفضها من جانب المجتمع الدولي.
وفي 18 أبريل/ نيسان الماضي، أعلن مجلس الشعب التابع للنظام السوري، إجراء الانتخابات الرئاسية في مناطق النظام اليوم الموافق 26 مايو/ أيار الجاري، وللسوريين المقيمين بالخارج يوم 20 من الشهر ذاته.
ويصرّ نظام بشار الأسد على الإيحاء من خلال الإعلام وتصريحات مسؤوليه، بأنه يملك الشرعية القانونية والدستورية لإقامة الانتخابات في موعدها، ضاربا بعرض الحائط جميع الأصوات المعارضة لهذه الانتخابات، سواء كانت من داخل سوريا أو من خارجها.
** تكريس الاستبداد
رئيس الائتلاف السوري المعارض نصر الحريري، قال للأناضول: “لا يمكن استخدام وصف انتخابات عند تناول عملية التزوير والتزييف التي ينفذها النظام، فمنذ انقلاب (حزب) البعث على السلطة لم يتم إجراء عملية انتخابية واحدة، كل ما تم خلال نصف قرن كان مجرد مسرحيات مكررة لتكريس الاستبداد”.
وأضاف الحريري: “نحن أمام طقس استبدادي للتغطية على عملية سرقة أو اغتصاب، بل أمام زيف وتزوير وإساءة وامتهان لواحدة من أهم إنجازات المجتمعات البشرية، المتمثلة في العملية الانتخابية الديمقراطية”.
ورأى أن “النظام وحلفاءه يستخدمون هذه المسرحية كفرصة لمتابعة فرض الأمر الواقع، والابتعاد خطوة إضافية عن مسار العملية السياسية”، معتبراً أن “قيام النظام وحلفائه بتنفيذ هذه العملية يعني أنهم لا يتعرضون لأي ضغوط جدية تتعلق بالحل السياسي”.
وأكد أن “النظام لن يقوم بأي تحرك إيجابي إلا تحت ضغوط دولية جدية، وفي ظل غياب مثل هذه الضغوط فإن النظام يسير وفق جدول أعمال روتيني طبيعي، ربما تشوبه بعض المنغصات الدولية من دون أن تؤثر عليه جدياً”.
** النظام يخاف رأي الشعب
الحريري قال إن “خيار الانتخابات الوحيد المقبول هو الخيار القائم على عملية انتخابية تتسق بشكل تام مع القرار (الأممي) 2254، ولا مكان فيها لمجرمي الحرب والقتلة، وعلى رأسهم بشار الأسد”.
وينص القرار الصادر في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، على بدء محادثات السلام بسوريا في يناير/ كانون الثاني 2016، مؤكداً أن الشعب هو من يقرر مستقبل البلاد، داعيا إلى تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية بالتزامن مع وقف أي هجمات ضد المدنيين فوراً.
وأشار الحريري إلى أن “مثل هذه العملية تتطلب فترة لتمهيد الأجواء المناسبة والآمنة، وتهيئة الظروف القانونية والعملية لإجراء اقتراع تعددي، وضمان نزاهة العملية وشفافيتها تحت إشراف دولي محايد، وبمشاركة جميع السوريين في الخارج والداخل”.
وأكد أن “النظام يخاف من رأي الشعب، ويرفض إفساح أي مساحة للحرية أو الاحتكام إلى إرادة الناس، كما يرفض أي رقابة أو إشراف مستقل، إذ تقوم فروع الأمن وعناصر الاستخبارات بتنظيم عملية التزييف بشكل كامل، بإشراف الراعي الروسي”.
وختم بقوله: “العالم مطالب ببناء إطار دولي يدعم حرية الشعوب وحقوقها، ويحميها من تغوّل الأنظمة الاستبدادية، ويساهم بشكل جاد في تعزيز فرص بناء السلم الأهلي، وتوعية المجتمعات بمعنى الخيار الديمقراطي، والقيم المتعلقة بعمل المؤسسات ومفهوم تداول السلطة وسيادة القانون”.
** تقويض العملية السياسية
الرئيس المشارك للجنة الدستورية السورية عن المعارضة هادي البحرة، قال من ناحيته، إن “الانتخابات الرئاسية اللاشرعية محاولة سافرة من قبل النظام وحلفائه لتقويض العملية السياسية الجارية”.
وأضاف للأناضول: “هذه الانتخابات تتعارض مع ما يدعو إليه قرار مجلس الأمن 2254، وهو إجراء انتخابات حرة ونزيهة وفق دستور جديد تدار تحت إشراف الأمم المتحدة، وفق أعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، وبمشاركة السوريين كافة، داخل سوريا وخارجها، بمن فيهم النازحين واللاجئين”.
وأكد أنه “لا توجد حاليًا بيئة آمنة ومحايدة تمكن جميع السوريين من ذلك لممارسة حقهم في الإدلاء بأصواتهم، والانتخابات التي ستجري ستطيل من أمد المأساة الإنسانية ومعاناة الشعب”.
واعتبر أن “هذه الانتخابات هي تكرار لتجربة السوريين في انتخابات 2014، فهل الوضع في سوريا اليوم أفضل مما كان عليه في 2014، إنها محاولة من جانب النظام للهروب إلى الأمام، في محاولة مكشوفة للتهرب من استحقاقات الحل الوحيد الممكن، وهو التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن”.
وختم البحرة بالقول: “على النظام أن يعلم أنه لن يتمكن من التهرب من ذلك الاستحقاق”.
** انتخابات غير شرعية
أما عبد الرحمن مصطفى، رئيس الحكومة السورية الموقتة، فقال للأناضول: “لا يمكن الحديث عن شرعية انتخابات في بلدٍ مدمر، نصف سكانه لاجئون ومهجرون، والنصف الآخر يعيش تحت قبضة أمنية مشدّدة اضطر تحت الإكراه على انتخاب الديكتاتور”.
وأردف: “خارجياً هناك رفض دولي واسع جرى الإعلان عنه مسبقا قبل إجراء الانتخابات، عندما أكدت معظم الدول رفضها إجراء هذه المهزلة على أراضيها، لكونها تمت خارج إطار الشرعية الدولية كالقرار 2254، وبالتالي فإن المجتمع الدولي سيرفض الاعتراف بنتائج تلك المهزلة”.
وأضاف: “هذا يعني أن النظام فاقد للشرعية السياسية والقانونية في نظر المجتمع الدولي. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال هذا الديكتاتور مصِّراً على إبقاء معاناة السوريين طالما بقي جاثماً على صدورهم بمساندة حليفيه الروسي والإيراني”.
وشدد على أن “أي استحقاق سياسي أو دستوري يجري في البلاد، لا بد أن يشارك فيه كل الشعب السوري داخل البلاد وخارجها، بناءً على عملية ديمقراطية مصدرها الإرادة الحرة لكل الشعب السوري، وضمن أطر الشرعية الدولية، وفي غير ذلك لا يمكن القبول بأي انتخابات”.
** ممارسة ضغط دولي
مصطفى ذهَبَ إلى أن “القضية السورية شهدت تجاهلاً غير مبرر من المجتمع الدولي على مدى عشر سنوات، إذ قابل العالم إجرام النظام بالصمت، ما شجعه على تحدي الإرادة الدولية والاستمرار في انتخاباته الهزلية”.
وتابع: “أدى ذلك الوضع إلى خلق معاناة كبيرة للشعب السوري، كما صار مصدراً يهدد السلم والأمن الدوليين. من هنا، فإن إنهاء تلك المأساة ضرورة ملحة للمجتمع الدولي بأسره”.
وطالب مصطفى المجتمع الدولي بـ “سحب الاعتراف بشرعية النظام على المستوى السياسي والقانوني وتحديه السافر للإرادة الدولية، والعمل على طرد ممثليه في الأمم المتحدة وكل أجهزتها”.
وأضاف: “ونؤكد على ضرورة ممارسة مزيد من الضغط الدولي على النظام وحلفائه بشتى السبل من أجل إيجاد الحل السياسي المنشود ضمن إطار الشرعية الدولية”.