بعد “إجازة” الأعياد، التي استبشر بها اللبنانيون خيراً، لعلّها تسهم في “تهدئة الخواطر” بشكلٍ أو بآخر، بما “يعبّد” طريق الحكومة الموعودة، التي لا تزال مفروشة بـ “الألغام”، انطلق العام الجديد سياسيّاً كما أقفل “سلفه”، على سجالاتٍ “عالقةٍ” على ما يبدو عند النقاط نفسها، من دون أيّ تغييرٍ يُذكَر، حتى أنّ “الوطاويط” استُحضِرت سريعاً إلى الواجهة.
ففي “استنساخٍ” للسجالات التي بدأت في مرحلة ما قبل الأعياد، بين “العهد” ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، افتتح تكتل “لبنان القوي” موجةً جديدةً من “التشنّج”، ببيانٍ لم يخلُ من “التصعيد”، دعا فيه الحريري إلى تحمّل مسؤولياته والقيام بواجباته، وذهب أبعد من ذلك بمطالبته بـ “التوقف عن استهلاك الوقت والعودة من السفر لينكَبّ على ما هو مطلوب منه”.
وسرعان ما ردّ المكتب الإعلاميّ للحريري، مكرِّراً بدوره الاتهامات نفسها لتكتل “لبنان القوي” ورئيسه الوزير السابق جبران باسيل، ولو من دون تسميته، بتعطيل البلد، من خلال التمسّك بشروط “تعجيزيّة” تَنسف كل ما نَصّت عليه المبادرة الفرنسية، ومعتبراً أنّ الأخير “آخر من يحقّ له إعطاء دروسٍ بالتوقف عن استهلاك الوقت واختلاق العراقيل”.
راوح مكانك!
الواضح، استناداً إلى ما تقدَّم، أنّ “العقدة الحكوميّة” لا تزال تراوح مكانها، وأنّ ما حُكي عن “وساطاتٍ” خلف الكواليس، قد تكون بُذِلت خلال العطلة لم تكن أكثر من “أوهام” أريد منها التخفيف من وقع “الإجازة غير المستحَقّة” على النفوس، بعدما أثارت جدل وغضب الناشطين بشكلٍ كبير، خصوصاً أنّ الحكومة ليست “ترفاً”، في ظلّ “الكوارث” المحدقة.
ولعلّ ما يُفهَم من السجال “المتجدّد” بين الفريقيْن المعنيّيْن الأساسيّيْن بالأزمة الحكوميّة، يكمن في أنّ أياً منهما لم يستثمر “الإجازة” لإجراء “مراجعة ذاتيّة” للأداء والمقاربات، بما يمهّد لتقديم “التنازلات” المطلوبة من أجل المضيّ إلى الأمام، والسماح بولادة “حكومة الإنقاذ” الموعودة، والتي ينبغي عليها التصدّي للأزمات المتفاقمة، حتى أنّ لسان حالهما كان موحّداً، “انا على حقّ، ولن أتراجع، وأنتظر تنازل الآخر”.
وقد يكون ما شهدته منصّات التواصل من “سجالاتٍ افتراضيّة” مُلحَقة بالسجال الرسميّ الأول، استُحضِرت خلالها “الوطاويط” مجدّداً، وكأنّها باتت من “عدّة اللعبة”، أخطر من كلّ ما سبَق، باعتبار أنّها كشفت حقيقة أنّ “أزمة الثقة” تكبر ولا تصغر، بما يجعل احتمال “التعايش” مع الأمر الواقع بين “العهد” والحريري أمراً بعيد المنال، في ظلّ إصرار المحسوبين على الأول بأنّ لا حلّ سوى باعتذار الثاني!
هل من وساطات؟
إزاء “المستور” الذي “فضحته” سجالات بداية العام، التي لا توحي بأيّ “إيجابية”، وتبدّد كلّ الآمال المعقودة على “وحيٍ” قد يكون سقط على اللاعبين الحكوميّين، في مرحلة الأعياد، تتّجه الأنظار إلى “الوساطات” التي يمكن أن تحرّك الركود في الحركة السياسية، وتعيد البحث في الملفّ الحكوميّ إلى مكانه الصحيح.
وفيما يقول المحسوبون على “العهد” إنّ الرئيس ميشال عون ينتظر عودة الحريري إلى بلاده، والتي كانت متوقعة منذ بداية الأسبوع، مع انتهاء “الإجازة الرسمية”، لعودة “التواصل” بينهما، بما يمكن أن يفضي إلى اجتماعٍ ثنائيّ جديد في قصر بعبدا، يعوّل آخرون على “الوساطة” التي كان البطريرك الماروني بشارة الراعي أطلقها قبيل عيد الميلاد، في ظلّ ترجيحات بإعادة “تفعيلها” رغم ما أصابها من “خلل”، ترجِم “أزمة” على خط بعبدا-بكركي.
وفي وقتٍ يرجّح مراقبون أن يوسّع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم من مروحة اتصالاته، وهو الذي يقود جهوداً لتقريب وجهات النظر من خلف الكواليس، ثمّة من لا يزال مقتنعاً بأنّ “التعويل” يبقى أولاً وأخيراً على اللاعبين الخارجيين، وتحديداً الفرنسيّين، بعدما أثبتت التجربة أنّ لا “موْنة” لغيرهم على القادة اللبنانيين، وإن كانوا أصلاً قد فقدوا الكثير من “بريقها”، بدليل التراجع الفرنسيّ الواضح في مواكبة المستجدّات اللبنانيّة.
إلى ما تقدّم، تبقى المشكلة الأساسيّة في مكانٍ آخر، حيث لا تزال شريحةٌ واسعة من اللبنانيين مقتنعة بأنّ لا جديد يمكن أن يُسجَّل حكومياً قبل اكتمال إجراءات انتقال السلطة في البيت الأبيض في 20 كانون الثاني، وسط مخاوف من أن تخلق “صدمة” عدم انعكاس ذلك “تلقائياً” على ولادة الحكومة، “أزمة” جديدة تتطلب المزيد من الوساطات، وتعيد الأمور إلى مربعها الأول أو ما دونه!