عقب لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا، خرج البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ليطلق سلسلة مواقف لافتة من حيث المضمون، اتسمت بنبرة عالية توجّه فيها بالمباشر الى الرئيس المكلف سعد الحريري، وإن لم يسمّه بالاسم. غير ان ما يجدر التوقف عنده في هذا السياق، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، هو ان مواقف الراعي بدا يُطلقها، ليس فقط باسمه، بل نيابة عن رئيس الجمهورية ايضا، اي انها تعكس اجواء قصر بعبدا ونظرةَ الاخير للملف الحكومي وتعقيداته.
ففي قول الراعي ما يلي “الدستور ينصّ على ان يشكّل الحكومة الرئيس المكلّف مع رئيس الجمهورية، ولا تشكل الحكومة بالتقسيط. يجب على الرئيس المكلف ان يحضر تشكيلة الحكومة كاملة ليدرسها مع فخامة الرئيس، فالبلد يموت وليس هكذا تشكّل حكومات فليسمح لنا، والبلد لا يتحمّل التأخير ولو ليوم واحد، ونريد حكومة انقاذية استثنائية غير حزبية وغير سياسية”- في كلامه هذا، انما يشير الى ان بعبدا ممتعضة من عدم حَمل الرئيس الحريري اي مسودة مكتملة للحكومة العتيدة، اليها بعد، ويلفت الى ان القصر يعتبر ان التشكيل متعثّر بسبب سلوك الحريري وأدائه.
فالرئيس عون، على ما يبدو، يريد ان يطّلع على تشكيلة غير منقوصة، فيها اسماء كل الوزراء وحصص كل الاطراف، وهو يرفض ان يتعاطى معه الحريري “على القطعة”، اي ان يفاوضه على الحصة المسيحية كما جرى في اللقاءات الاخيرة التي عقدت بينهما، في حين تُترك المقاعد الشيعية والسنية والدرزية شاغرة، لا يعرف عنها الرئيس عون شيئا.
بات واضحا للجميع اذا، بعد كلام الراعي امس، ان “سيّد القصر” يرمي تهمة التأخير والمماطلة في حضن الحريري وإحجامِه حتى الساعة عن تقديم مسودة كاملة مكتملة اليه.
الحريري “مظلوم”؟
وفي حين يرفض المحسوبون على الحريري أو المقرّبون منه الردّ على الراعي، أو حتى التعليق على كلامه، مؤكدين الاحترام المُطلق له ولما يمثّله، ثمّة بينهم من يتحدّث عن “ظلمٍ” يتعرّض له رئيس الحكومة المكلَّف عبر التركيز على نقطة “المعايير المزدوجة” بالتحديد، مشيرين إلى أنّ كلّ ما “يُشاع” عن أنّ أحزاباً تسمّي وزراء يفتقد إلى الدقّة، علماً أنّ الحريري كان واضحاً منذ اليوم الأول بإصراره على تشكيل حكومة اختصاصيّين “غير حزبيّين”.
وإذا كان هناك من يغمز من قناة إمكانية “تأثّر” الراعي بما سمعه من عون، باعتبار أنّ كلامه جاء من قصر بعبدا، فإنّ الأكيد، وفقاً للعارفين، أنّ أيّ ردٍّ “مباشرٍ” عليه لن يصدر عن الحريري، الذي يعتبر أنّ “المشكلة” مع عون تكمن، بخلاف كلّ ما يُروَّج ويُشاع، في إصرار الأخير على ضرورة “التشاور” مع الوزير السابق جبران باسيل، بوصفه “معبراً لا غنى عنه” للتأليف، وهو الأمر الذي يرفضه الحريري جملةً وتفصيلاً.
ويذكّر هؤلاء بما تسرّب حتى عن لقاء عون بالمبعوث الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل الذي زار لبنان أخيراً، والذي سمع من رئيس الجمهورية صراحةً أنّ المشكلة تبقى في “الجليد الذي لم يُكسَر” بين الحريري وباسيل، علماً أنّ الحريري يصرّ على “فصل المسائل”، وينفي أيّ “شخصنة” للملفّ الحكوميّ، وهو يحصر “التشاور” مع رئيس الجمهورية استناداً إلى الدستور، ولو أنّه يدرك أنّ أيّ حكومةٍ يشكّلها لن تستطيع الحكم من دون “مباركة” الكتل النيابية الأساسية.