بين “التفاؤل” و”التشاؤم”، أو ما ابتدعه البعض من صيغة “تشاؤليّة” فريدة من نوعها، لا وجود لها سوى في لبنان، يستمرّ “التخبّط” طاغياً على المشهد الحكوميّ، الذي رسا في الساعات الأخيرة على خياريْن لا ثالث لهما، فإما “التنازل” أو “الاعتذار”…
مطلع الأسبوع، خرجت العديد من “التسريبات” عن موعدٍ “حاسمٍ” للرئيس المكلَّف سعد الحريري في قصر بعبدا يوم الأربعاء، سيخرج الرجل بعده إما بتشكيلةٍ وزاريّةٍ اختصاصيّة متوازنة كما يرغب ويتمنّى، وإما ببيان “اعتذار” شديد اللهجة، يفتح أبواب “جهنّم” على مصراعيها أمام البلاد.
مرّ يوم الأربعاء، من دون أن يُعلَن عن اللقاء “الحاسم”، بل مع “شبه تجميدٍ” لكلّ الاتصالات والمفاوضات الحكوميّة، ولو أنّ اللقاء الأخير الذي عُقد بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون، أوحى بوجود “تقدّم إيجابيّ”، أقلّه وفق المعلومات الرسمية التي أوردها بيان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية.
لا “حسم”!
ثمّة كثيرون ربطوا بين موعد الأربعاء “الحاسم” افتراضياً، وموعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي كان مفترضاً أن تتبلور نتيجتها الأربعاء، فتظهر “هويّة” السيّد الجديد للبيت الأبيض، الذي كان الكثير من اللاعبين المحليين يربطون استحقاق الحكومة به، ولو من دون أسباب منطقية تبرّر ذلك.
لكنّ ما حصل أنّ “الحسم” لم يحصل أميركياً، وبقيت نتيجة الانتخابات “غامضة”، وسط اعتقادٍ بأنّ إعلانها رسمياً خلال الساعات المقبلة سيتركها “رهينة” إجراءات قانونيّةٍ متوقَّعة، في ضوء تلويح حملة الرئيس دونالد ترامب باللجوء إلى المحكمة العُليا، ما قد يترك “الضبابية” مسيطرة عليها لأسابيع قادمة، في تكرارٍ لسابقة العام 2000، يوم حافظت النتائج على “غموضها” لشهرٍ كامل أعقب يوم الانتخابات.
وسرعان ما انعكس غياب “الحسم” أميركياً على الواقع الحكوميّ الداخليّ، فتجمّدت الاتصالات الحكوميّة دفعةً واحدة، على رغم أنّ “الربط” بين الاستحقاقيْن لا يبدو منطقيّاً ولا واقعيّاً لكثيرين، باعتبار أنّ “التعقيدات” التي تواجه الحكومة اللبنانية هي محلية بالدرجة الأولى، ولو حاول البعض “الهروب إلى الأمام” عبر اختلاق “عُقدٍ خارجيّة” من هنا أو هناك.
“الاعتذار” على الطاولة؟!
العقد داخليّة إذاً، بحسب ما يرى الكثير من المراقبين، وما الربط بين الاستحقاق الحكوميّ والانتخابات الأميركيّة سوى “وهم” يتمسّك به البعض، ريثما تتحقّق “معجزة ما”، ويحصل “التفاهم” على النقاط “العالقة” المحيطة بالملفّ الحكوميّ.
وفي هذا السياق، تتجاذب وجهتا نظر الحديث عن “اعتذار” رئيس الحكومة المكلَّف الذي تمّ التلويح به مطلع الأسبوع، فهناك فئة تعتبر أنّ مثل هذا الكلام جاء من باب “الترغيب والترهيب”، بمعنى “الضغط” على الأفرقاء المعنيّين لتسهيل التأليف، وتليين الشروط والمطالب التي يتمّ رفعها، وفق أسُس المحاصصة التقليدية، حتى لا يذهب الرئيس الحريري إلى خطوة اعتذارٍ لن يكون محسوباً ما بعدها.
وإذا كان أصحاب وجهة النظر هذه ينطلقون من أنّ الرئيس الحريري لم يرشّح نفسه ليعتذر في نهاية المطاف، وهو المدرك بأنّ اعتذاره اليوم سيكون أشبه بـ “الانتحار السياسي”، وفق توصيف خصومه، فإنّ هناك بين المحيطين بالرجل من يؤكد أنّ هذا “الاعتذار” يبقى مطروحاً على الطاولة، إذا ما استمرّت التعقيدات في وجهه، خصوصاً أنّ الرجل جاء لتنفيذ مهمّة معيّنة، ووفق شروطٍ محدّدة، وهو لن يقبل بأيّ “انقلابٍ” عليها، بدأت بوادره بالظهور.
صحيحٌ أنّ “الاعتذار” مطروحٌ على الطاولة، وعلى “الأجندة”، وفق ما يقول بعض المحيطين بالحريري، سواء كان مثل هذا الطرح “واقعياً”، أو من باب “الترهيب”، لكنّه يبقى مُستبعَداً اليوم، بحسب ما يوحون، باعتبار أنّ الرجل لم يتخطّ بعد المهلة “المعقولة” للتأليف، “مهلة” قد يكون مناسباً للجميع أن يتذكّروا أنّها لا ينبغي أن تخضع للحسابات التقليدية، والبلاد على شفير الانهيار الشامل!