جاء في وكالة “المركزية”:
بعد 22 يوما من المراوحة السلبية على الخط الحكومي، قرر الرئيس سعد الحريري “التنازل”، فوافق على اعطاء حقيبة المال الى شيعي، في حين كان يتمسّك حتى الامس القريب، بمبدأ المداورة الشاملة رافضا تطويب وزارات لطوائف وأحزاب. هذا التراجع، قابله الثنائي الشيعي بتصلّب، وتعاطى معه بنوع من “الفوقية” وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”.
فقد رد على موقف الحريري سريعا معتبرا اياه دليلا على انه يتحكّم بالرئيس المكلف مصطفى اديب وبلعبة التأليف، مستغربا كيف ان الرئيس الحريري يسمح او لا يسمح لهذا الفريق او ذاك بتولّي وزارة، ورافضا ايضا تسمية أديب الوزير الشيعي المستقل للمالية. وفق المصادر، الثنائي امل – حزب الله “استكتر” على الحريري محاولة إظهار نفسه، أقلّه أمام شارعه و”ناسه”، في موقف المساعد في ولادة الحكومة والرافع للعقبات من أمام عربة التأليف. وربّما كان يريد منه ان يضمّن بيانه اعترافا بأنه هو المعطّل وبأنه نادم على فعلته وبأنه “يستسلم” لما يطالب به الثنائي لأنه مطلب محق، ويقول ايضا “المالية يجب ان تكون للابد من حصة الشيعة في البلاد”!
لم يعجب ما قاله الحريري الثنائي اذا، غير ان رفع الحزب والحركة سقفهما، يُرجّح ان يكون هدفه التمهيد لجولة المفاوضات الجديدة، من نقطة “قوة”، لا نعي المبادرة الحريرية. وبحسب المصادر، فإن العرض “الازرق” من المرجّح الا يقتصر على الموافقة على “شيعي” في المالية، بل “من تحت الطاولة”، وخلف الكواليس، قد يقبل أديب – والحريري بطبيعة الحال – ايضا بأن يقدّم الرئيس نبيه بري اسماء شخصيات شيعية غير استفزازية كفوءة ذات سيرة ذاتية مشجّعة، فيختار من ضمنها الوزيرَ الذي ستُسند اليه المالية.
واذ تشير الى ان هذا الامر ستتظهر صحّته من عدمها في الساعات القليلة المقبلة، تلفت المصادر الى ان المرونة الحريرية يفترض ان تلاقى بالمثل من قبل الثنائي، المطلوب منه الاقلاع عن “جلد” التيار الأزرق “اعلاميا”، وصبّ الزيت على نار الاحتقان الشعبي.
اما في السياسة، فتجاوبُ الحزب والحركة، مع طرح الرئيس الحريري ضروري لولادة الحكومة. فاذا لم يفعلا وبقيا يصعّدان، أو رميا على الطاولة رزمةً شروط جديدة، تعجيزية، تفرّغ المبادرة الفرنسية من مضمونها، فإن ذلك سيؤكد ان العقدة في مكان آخر، وان التمسّك بالمالية ليس سوى ستارا لإخفاء حقيقة ان التعطيل يحصل لغايات اقليمية، وخدمةً لمصالح ايران بالتحديد، التي ترغب بابقاء الوضع اللبناني في هذا الستاتيكو القاتل حتى موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية. اللّهم اذا سلّمنا جدلا، بأن كسر مبدأ المداورة في المالية لن يجابَه بتمسّك من قبل الاطراف السياسية الاخرى بالحقائب التي تعتبرها “ملكا” لها ايضا، وبأن “طيف” العقوبات الاميركية سيبقى يفعل فعله في هذا المجال!
وبعد، وبغض النظر عن خلفيات مرونة الحريري المستجدة، فإن الاكيد ان خطوته حشرت القوى السياسية الاخرى، وردّت طابة التعطيل الى ملعبها. فمبادرته، التي أثنت عليها باريس اليوم، إما ستساعد في التشكيل او ستعرّي حقيقة نوايا الجميع… ويبقى السؤال الاهم، هل ستتمكن الحكومة العتيدة، اذا كان وزير ماليتها مختارا من قبل الثنائي الشيعي “المغضوب” عليه دوليا، من إنقاذ لبنان اقتصاديا وماليا، ام ستكتفي بإنقاذ مبادرة فرنسا وسمعة رئيسها ايمانويل ماكرون؟!