كتب منير الربيع في “المدن”: لم تسقط المبادرة الفرنسية بعد. لكن وقتها غير مفتوح. لقد مُنحت القوى السياسية اللبنانية مهلة جديدة للتشاور لتصل إلى توافق ما.
عون ورفضه الشكلي
سارع رئيس الجمهورية إلى عقد لقاءات مع ممثلي الكتل النيابية للبحث في عملية التشكيل. وهو بذلك يعيد الإمساك ببعض الخيوط، ولو شكلياً، من خلال مشاركته في المفاوضات والمشاورات وعرض الأسماء والاقتراحات.
هذا، بعدما كان رافضاً التوقيع على تشكيلة من دون مشاورته ومشاركته، وعدم إطلاعه على مضمون الحكومة وشكلها وصيغتها. وأعاد عون التمسك بحكومة من عشرين وزيراً، بدلاً من 14، ودخل على خطّ التفاوض حول الأسماء مع الرئيس المكلف.
لن يكون لدى رئيس الجمهورية ورئيس التيار العوني أي قدرة للتعطيل، وإعادة فرض شروط جديدة. همهما الحفاظ على ماء الوجه.
الأمن والعقوبات
وكان طُلب من مصطفى أديب التشاور مع القوى السياسية المختلفة، وتحديداً عون، والثنائي الشيعي، وجبران باسيل. وبعيد خروج أديب من لقاء بعبدا، بدأ التحضير لمثل هذه اللقاءات والمشاورات.
الجميع يبحث عن حفظ ماء وجهه، وإدخال تعديلات ولو طفيفة على ما هو آت من الخارج، ليرضي نفسه بانطباع أنه غيّر وعدّل وبدّل. أهل السياسة اللبنانية يرضون أنفسهم بغرقهم في مشاغل شكلية، فيما المشكلة تتعدى الحكومة وما بعدها، وتضع لبنان في مهب رياح عاتية، من الأمن إلى العقوبات الشديدة التأثير على المجريات السياسية.
برّي مهدد شخصياً بالعقوبات
الثنائي الشيعي في المقابل، مصرّ على وزارة المال “تكريساً للميثاقية”، حسب برّي. لكن هناك إصراراً خارجياً، أميركياً خصوصاً، على عدم حصول الثنائي على هذه الوزارة، بعد فرض عقوبات على الوزير علي حسن خليل، واتهامه بإسداء الخدمات المالية لحزب الله.
يريد الأميركيون تغيير قواعد اللعبة كلها، باستخدامهم أكثر من عصا العقوبات في مقابل تمسك الثنائي الشيعي بوزارة المال. وهناك من رأى أن الأمر لا علاقة له بالميثاقية، على غرار ردّ الرئيس سعد الحريري عبر مصادره، بأنه تنازل عن الميثاقية لحماية البلد. ولا بد للآخرين من أن يتنازلوا عنها.
مثل هذا الردّ يقود البعض إلى اعتبار أن تصعيد برّي ينطوي على خلفيات أخرى. وهو لن يقايض المالية بأي وزارة أخرى، بل هدفه تجنب المزيد من العقوبات الأميركية التي يهددونه بها، وبدأت بعلي حسن خليل، وقد تصل إليه شخصياً أو لأفراد من عائلته أو مقربين منه.
لذا لجأ بري إلى هذا الموقف التصعيدي، قائلاً: لست أنا من يختتم حياته بهذا الشكل، ولا أبحث عن مستقبلي السياسي.
جنبلاط يتوسط لبرّي
أما وليد جنبلاط فيحط في العاصمة الفرنسية. وحسب المعلومات، سيعقد لقاءات مع مسؤولين فرنسيين، على الرغم من تأكيده بأنه يبحث عن الراحة بعد “قرفه” من الواقع اللبناني.
لكن الظروف تحتم عقد لقاءات. وسيقدم جنبلاط رؤيته وتصوره. والمعروف عنه أنه لا يتخلى عن إسداء أي خدمة لنبيه برّي. ستكون لجنبلاط مواقف واضحة: لا يمكن إدارة السياسة في لبنان بهذا الشكل، لأنها تؤدي إلى مخاطر كبيرة. تصل إلى حدود التوترات الأمنية. ولا يمكن للمبادرة الفرنسية أن تنجح بهذا الشكل، فيما كان ماكرون يقول إن هدف المبادرة عدم ترك لبنان يسقط في حرب أهلية.
سباق بين التوافق والتهديد
ساعات مفصلية يعيشها لبنان. إما تستمر المبادرة الفرنسية وتصل إلى مرادها، أو أن البلد أمام سيناريوهات بالغة التعقيد، في ظل العقوبات التي ستأتي على شخصيات من طوائف وانتماءات مختلفة. وهي تفتح المجال أمام استخدام لبنان ساحة لتصفية حسابات سياسية، بأساليب أمنية، كالعادة وكما خبر اللبنانيون سابقاً. فأي عملية أمنية ستعيد تغيير الأولويات في البلد، ويصبح الاهتمام بالملف الأمني أولاً، بدلاً من الحكومي والاقتصادي.
المبادرة الفرنسية أمام فرصتها الأخيرة: إما أن تنجح في الأيام القليلة المقبلة على قاعدة التوافق، وإما أن تنجح بتقديم تشكيلة وتمريرها من دون موافقة الثنائي الشيعي، ما يؤدي إلى مزيد من الضغوط والصعوبات. فتخاض ضد التشكيلة الحكومية مواجهة شعبية تجهضها.
عندها لا بد من النظر إلى جوهر الأمور، وما بعد تفجير المرفأ. وهناك الكثير من التسريبات الأمنية حول الوضع في البلد وفي مرافق عامة وأساسية تثار الشكوك والشبهات حولها (كالمطار مثلاً). لذا سنكون في دوامة من القلق والمخاوف والانعكاسات المتعددة الاتجاهات على الوضع العام في مجالات كثيرة، أمنية، وسياسية واقتصادية، وفي سعر الدولار. وهذا كله يعرّض البلاد إلى مزيد من الانهيار.