تحت عنوان أهلا بكم في الجمهورية اللبنانية المتعثرة!، كبت غسان ريفي في “سفير الشمال”: لم يكن حسان دياب بحاجة الى هذا الخطاب “المتعوب عليه” في اللغة والصياغة وإختيار الكلمات المنمقة، ليعلن أن لبنان بلدا متعثرا، وأنه غير قادر على تسديد ديونه لذلك فقد قررت حكومته تعليق سداد إستحقاق اليوروبوند.
بدا حسان دياب وهو يتحدث مساء السبت الفائت وكأنه في كوكب آخر، فأعلن تعليق دفع سندات اليوروبوند بما يعني تعثر الدولة، وتبع ذلك بإغداق كمية من الوعود الاصلاحية المتعلقة بتغيير جذري للنظامين الاقتصادي والمصرفي في البلاد، في الوقت الذي كان في جيبه تشكيلات قضائية لم يستطع إقرارها بفعل الخلافات السياسية حولها، الأمر الذي أطاح بكل ما قاله عن الاصلاحات التي إن لم تبدأ بالقضاء فلا يمكن أن تبدأ من أي مكان آخر، كما أطاح بالوعود التي كل منها يحتاج الى سنوات ضوئية لتوافق التيارات السياسية والحزبية عليها.
تحدث دياب وكأن العلاقات اللبنانية في أحسن أحوالها عربيا وخليجيا ودوليا حتى يهب الأشقاء والأصدقاء لمساعدة لبنان بمجرد الاعلان عن تعثره وعن إتجاهه بكلمة “سوف” نحو البنود الاصلاحية التي لا أساس لوجودها أو لا توافق على الحديث عنها حتى الآن.
تحدث دياب وكأن البلد متضامن سياسيا ويقف كالبنيان المرصوص خلف حكومة تعمل من أجل الانقاذ، متناسيا الانقسام السياسي العامودي الذي جعله يفتقد دعم طائفته سياسيا وشعبيا ودينيا، وأعطت حكومته صفة اللون الواحد وأفرزت معارضة شرسة، فيما شارع الثورة يغلي مطالبا برحيله لانعدام الثقة بحكومته.
لقد سمع اللبنانيون خطاب دياب، فلم يطمئنوا الى حاضر ولا الى مستقبل، فتعليق دفع سندات اليوروبوند، سيكون له تداعيات كارثية على الحياة الاقتصادية والمالية، حيث سيدخل لبنان الى لائحة البلدان المتعثرة أو المفلسة، وسيتراجع تصنيفه الائتماني، وسينعكس ذلك على المصارف التي ستواجه صعوبات كثيرة في كل معاملاتها الدولية، وربما يلجأ الدائنون الى المحاكم العالمية في حال لم يقبلوا باعادة هيكلة ديونهم كما قال دياب “بما يتناسب مع المصلحة الوطنية وعبر مفاوضات منصفة وحسنة النية” فمن أين يأتي الانصاف لبلد ضعيف ومتعثر، وكيف تكون النية الحسنة في ظل الحصار الذي يضيق يوما بعد يوم على لبنان.
كان يفترض برئيس الحكومة بدل أن يضيّع وقته على مطالعة إقتصادية ـ سياسية للاعلان عن التعثر وتعليق الدفع، أن يبادر الى دعم موقفه بقرارات ومواقف وفذلكة قانونية وإتفاق مع الدائنين بما يخفف من وقع التعثر ويؤدي الى حلول سريعة يمكن أن تجدي نفعا إذا ما إرتبطت برزمة من الاصلاحات الحقيقية المتوافق عليها سياسيا.
لا يختلف إثنان على أن الحل لا يمكن أن يكون إقتصاديا فقط، بل هو بالدرجة الأولى سياسي وبامتياز، ما يتطلب إعادة النظر في وضع لبنان وعلاقاته العربية والدولية والسعي الى إستعادة الثقة به من خلال الاسراع في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة أقله المتوافق عليها، والعمل على إحياء الدور الذي كان يلعبه، وعندها يمكن الافراج عن بعض المساعدات التي تؤدي الى النهوض وتجعل مهمة الانقاذ أسهل، وإلا فإن الانهيار سيبقى متواصلا الى أن نصل الى الجمهورية اللبنانية المتعثرة.