بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهت لرئيس حزب “التقدمي الاشتراكي”، واتهامه بالتواطؤ لتأمين نصاب جلسة منح الثقة لحكومة حسان دياب أمس، وفي تصريح لافت طالب زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط باصطفاف وطني عريض يدفع باتجاه استقالة الرئيس اللبناني ميشال عون. وعبر جنبلاط في تصريح لـ”العرب” عن عدم قدرته على تحمل مسؤولية الدعوة إلى استقالة عون وحده، من دون اصطفاف وطني عريض لتحقيق ذلك، منبها إلى أن عهد الرئيس عون “وصل إلى أفق مسدود ولا بد من التغيير”. وذكّر بـ”جبهة وطنية عام 1952 ضمت كمال جنبلاط وكميل شمعون وعبدالله الحاج وغسان تويني الذين طالبوا بإسقاط الرئيس بشارة الخوري، وهذا ما تحقق”.
وبغض النظر عن هزالتها وما رافقها من اشكاليات دستورية و”اونطجيات” سياسية، نالت حكومة “مواجهة التحديات” امس الثقة البرلمانية المطلوبة دستورياً لتُقلع في مشوارها الصعب، المفترض ان يؤمن لها الثقة الشعبية المفقودة وثقة الدول المهتمة بلبنان والمستعدة لتقديم المساعدة والدعم المشروطين بالاصلاحات ومحاربة الفساد واعتماد الشفافية والمساءلة الكاملة و”تطبيق القرارات الدولية لا سيما 1701 و1559 واتفاق الطائف وإعلان بعبدا والتزاماته التي قطعها في مؤتمرات بروكسل، باريس وروما، فيحظى انذاك بالدعم القوي للبنان وشعبه، لاستقراره وأمنه وسلامة اراضيه وسيادته واستقلاله السياسي” بحسب ما جاء في بيان مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان اليوم.
اما بعد، وحتى تبيان الخيط الابيض من الاسود، ومدى قدرة حكومة الرئيس حسان دياب على كسب الثقتين ومواجهة التحديات عن حق، فإن ابرة بوصلة الثوار الذين، ولئن لم يتمكنوا من منع انعقاد جلسة الثقة بفعل قرارات المجلس الاعلى للدفاع التي حوّلت بيروت ثكنة عسكرية امّنت “تسلل” النواب الى الجلسة الا انهم وجهوا رسالة للعالم بانتفاء ثقة الشعب بالحكومة، هذه الابرة، ستتجه بحسب ما تشير مصادر الثوار لـ”المركزية” نحو الدفع لاجراء انتخابات نيابية مبكرة من شأنها ان تشكل خشبة الخلاص الوحيدة لتغيير الطبقة السياسية التي قادت البلاد عن سابق تصور وتصميم نحو الانهيار الشامل.
مطلب الثوار يلاقيه بعض القوى السياسية الذي “يغازل” الثورة ويحاول ان يسدد “دفعة عالحساب” علّه يتمكن في الاستحقاق الديموقراطي الانتخابي من كسب ود الشارع وحجز ما امكن من مقاعد تعيده الى الندوة البرلمانية. فيعمد تارة الى اعلان تأييد مطلب الانتخابات المبكرة، واخرى الى تقديم اقتراحات قوانين انتخابية جديدة “مجمّلة”، مطعمة بمواد “تدغدغ” مشاعر الثوار لا سيما عبر خفض سن الاقتراع. بيد ان مصادر الثوار ترفض اللجوء الى خيار القانون الجديد، على اهميته، باعتبار ان الحالي مفصّل على قياس القوى السياسية، غير انها ترى ان اي محاولة لوضع قانون جديد اليوم تعني قذف الانتخابات الى ما شاء الله وتوفير ذريعة لعدم اجرائها.
في هذا المجال، تؤكد المصادر ان الانتخابات المبكرة، مهما كان شكل القانون، لا بدّ ان تحدث التغيير انطلاقا من المزاج الشعبي المتحوّل الذي اثبت منذ 17 تشرين وحتى اليوم مدى رغبته باطاحة الطبقة السياسية التي اوصلته الى الفقر والعوز والهجرة، باستثناء قلة ما زالت توالي الزعماء والقادة السياسيين لاعتبارات خدماتية ومصالح خاصة، على ان ينطلق بعد الانتخابات مشروع الدولة التي يطمح اليها الشعب الثائر في اطار “الجمهورية الثالثة”.
هذا الهدف، تعرف الثورة ومن يسهر عليها، انه يكاد يكون الاصعب، بعدما تمكنت من تحقيق انجاز اسقاط الحكومة السياسية، وفرض حكومة اختصاصيين ولو انها لا تلبي مطلب المستقلين، وهي تواجه اصعب الاستحقاقات التي تفرض عليها وضع مصالح السياسيين الذين سموا اعضاءها جانباً من اجل انقاذ البلاد والا فإن السقوط المدوي يكمن لها على كوع الانهيار المعمم وسقوط الهيكل على رؤوس الجميع. وتقول المصادر ان الصعوبة الاكبر كما بات معروفا تكمن في رفض الفريق الحاكم المطلق للانتخابات المبكرة وتحديدا ثلاثي التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي الذي، وكما رفض حكومة المستقلين لعدم فقدان زمام المبادرة الحكومية، سيرفض حكما الانتخابات المبكرة، وفقدان ورقة الاكثرية التي يملكها اليوم والتي تعبّد له طريق التحكم عن بعد بالاستحقاق الرئاسي المقبل. المعركة الطاحنة هنا، تختم مصادر الثورة… ونحن لها.