أكّد مدير “معهد الجزيرة العربية”، فراس مقصد إنّ “حزب الله” لا يدرك الصعوبات التي تنتظر البلاد، متحدثاً عن الدين العام المقدّرة قيمته بـ90 مليار دولار وفقدان الليرة ما يزيد عن 30% من قيمتها وعن غياب الدعم السني والدرزي للحكومة، وعن اعتبار الحزب شريكاً في الفساد.
وفي هذا الصدد، أكّد مقصد أنّ مسألة اجتذاب المساعدة الأجنبية ستكون صعبة في ظل وجود “حزب الله” وشركائه على رأس السلطة، مضيفاً بأنّ اتجاه لبنان إلى طلب حزمة إنقاذية من صندوق النقد الدولي يستوجب إعادة هيكلة جذرية، وهي عملية من شأنها أن تؤجج الغضب الشعبي وزيادة الاضطرابات في البلاد.
مقصد الذي تساءل عن الجهة التي ستقصدها الحكومة اللبنانية الجديدة “عندما تتعقّد الأمور”، لفت إلى أنّ بعض اللبنانيين، بينهم حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، يأملون تدخّل قطر لإنقاذ البلاد. وفي تعليقه، تحدّث مقصد عن الدور القطري في المنطقة، مشيراً إلى أنّه يمكن للمساعدات أن تكسب الدوحة سمعة طيبة في بيروت، التي شكّلت تاريخياً ساحة للنفوذ السعودي.
وتابع مقصد بالقول إنّ بعض الحكومات الغربية، لا سيما في أوروبا، قد تعتقد إنّ مساعدة من هذا النوع (أو تبرعاتها الخاصة) قادرة على إعادة الهدوء ومنع تدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى شواطئها في المستقبل.
على مستوى واشنطن، قال مقصد إنّه يتعيّن أن تسعى، على المدى المنظور، إلى الحفاظ على على نفوذها المحدود في لبنان، بما في ذلك نفوذها داخل الجيش والمصرف المركزي و”أوساط فلول التحالف المناهض لإيران“. واعتبر مقصد أنّه يتعيّن على واشنطن تحذير الحكومة من استبدال مسؤولين أساسيين مثل قائد الجيش، العماد جوزيف عون، وسلامة، بشخصيات أكثر ليونة. ورأى مقصد أنّه يتعيّن على واشنطن إعطاء الحكومة اللبنانية الجديدة، والقوى الإقليمية والمحلية الواقفة وراءها، الوقت لتنهار تحت الضغط الشعبي.
المشكلة في صهر العهد
أكد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، في حديث لـ “اندبندنت عربية”؛ أنه يخالف الأحكام المسبقة على التشكيلة الحكومية؛ موضحاً أن “وجود حكومة أفضل من الفراغ، وأن المهمات الملقاة على عاتقها كثيرة في الاقتصاد والإصلاح، بعدما فشل العهد الرئاسي فشلاً ذريعاً في الأعوام الثلاثة الماضية نتيجة أداء صهر العهد “.
واضاف جنبلاط “التحدي اليوم أمام هذه الحكومة، إبعاد شبح هذا الصهر عمّا تبقى من العهد لينجح، بدءاً من الإصلاح البنيوي المطلوب في الكهرباء ومحاربة الفساد عبر القوانين المطلوبة، ولا يتم ذلك إلا عبر قضاء مستقل. وأهم بند على لائحة مطالب الحراك كان استقلالية القضاء، وهذا يتطلب قانوناً، ويجب أن تُعطى الحكومة مهلة، وأنا لا أشارك الرأي بأنها حكومة لون واحد، لأن اللون الواحد هو لون العهد المدعوم من حزب الله”.
وأشار جنبلاط الى أن “أغلبية الوزراء باستثناء وزراء (التيار الوطني الحر) ليسوا ملتزمين حزبياً، لكن التحدي الكبير يكمن في البيان الوزاري، بحيث يبعد لبنان عن الصراع الدولي، لأن لعبة الأمم أكبر من قدرة أي لبناني أكان في الحراك أو في أي معسكر سياسي، تدمّر ولا تجدي”. وقال: “علينا أن نعمل على استعادة اللبنانيين ثقتهم ببلدهم، لا أحد سيساعدنا على المستوى الدولي، باستثناء فرنسا ربما من خلال مؤتمر “سيدر”، إذا طبقنا التزاماتنا الإصلاحية، فالعالم العربي منشغل بهمومه في ظل الفوضى الحاصلة والقائمة على مصالح تتصل بالنفط والغاز، وعندما نتحدث عن خطوط الغاز والنفط، تتقدم مصالح الدول على ما عداها”.
وفي رده على سؤال “في لبنان يوجد نفط وغاز أيضاً؟” قال جنبلاط: “نعم، والأفضل أن يبقى في الأرض حتى نتثبت من مصداقية الدولة. يطالب الحراك اليوم في الشارع بانتخابات نيابية مبكرة، لكن على أي قانون. كنا أول من طرح فكرة الدائرة الواحدة خارج القيد الطائفي، على أن يتم إنشاء مجلس الشيوخ الذي يرعى مصالح الطوائف، معطوفاً على قانون الأحوال الشخصية المدني، وهذه في رأيي الوسيلة الوحيدة لتغيير النظام. شعار إسقاط النظام جيد جداً ولكن كيف؟ في لبنان لا يمكن لأي فريق أن يسقط النظام بالحرب أو بانقلاب عسكري، بل يكون في صندوق الانتخابات، إنما بقانون جديد، لأن القانون الحالي سيولد النظام نفسه، ومسؤولية الحكومة الجديدة أن تقدم قانوناً جديداً إلى البرلمان”.
واستطرد جنبلاط “أخشى أننا وصلنا ربما إلى حاجة لإعادة النظر في دستور الطائف، وقيام الجمهورية الثالثة على أنقاض الجمهورية الثانية، قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية، وأن ترسي لبنان على قاعدة قانون انتخابي لا طائفي، وأن تعطي طمأنينة كبيرة إلى الطائفة الشيعية وضمانات إلى حزب الله تحديداً، إذا فتح النقاش الوطني حول الاستراتيجية الدفاعية”.
في المقابل، أوضح جنبلاط ان كان الحراك يؤسس للجمهورية الثالثة التي يتحدّث عنها. وشرح “الأكيد أن الحراك أنهى الجمهورية الثانية، لكن علينا أن نحدد عن أي حراك نتحدث. أنا أتحدث عن الحراك الأول، لأن الحراك الذي نشهده الآن أصبح حراك عنف. الحراك الأول حدّد مطالب، لكنه لم يحدد آلية. وأنا كنت من الأوائل الذين تقبلوا مطالب الحراك، وقلت إنه علينا أن نتقبل أننا فشلنا، وسقطوا في الامتحان، وآن الأوان أن تأتي طبقة سياسية جديدة وتتولى المسؤولية”.
وفي رده على سؤال عما إذا كانت الحكومة الجديدة قادرة على استيلاد طبقة سياسية جديدة، وهي انعكاس للطبقة الحاكمة؟، قال جنبلاط “المشكلة هي في صهر العهد، وإذا كان يريد الاستمرار في هيمنته، وأن يكون عراب هذه الحكومة، فسنظل مكاننا. لاحظت من بعيد أن رئيس الحكومة حسان دياب كان عنيداً في الوقوف في وجه مطالب صهر العهد. وهذا مؤشر جيد”.
في سياق متصل، لن يعطي جنبلاط الحكومة الجديدة الثقة، اذ امتنع عن تسمية رئيس الحكومة ورفض الدخول فيها، “لكنني أهنئ الأستاذ دياب ببعض الشخصيات التي اختيرت وأعرفها، ومنها مثلا الوزيرة منال عبد الصمد، ووزيرة العدل التي تتمتع بسمعة قضائية ممتازة، والوزير ناصيف حتّي. أتحدث عن البعض الذي أعرفه”.
وعما اذا كان يعني الانتقال إلى صفوف المعارضة؟ يجيب “أي معارضة؟ العودة إلى اصطفاف 14 آذار؟ لا أبداً”.
وتابع جنبلاط “لنا وجهة نظرنا، إذا كان عراب العهد يريد أن تبدأ هذه الحكومة بالاقتصاص من رموز مثل حاكم مصرف لبنان أو مدير عام قوى الأمن الداخلي أو رئيس الميدل إيست، فهنا سنكون إلى جانب الحريري بالمعارضة”، مضيفاً “يصح القول نراقب عمل الحكومة. والتحدي الأول هو في إصلاح قطاع الكهرباء حسب مطلب مؤتمر “سيدر”. والآن، أتانا المعاون الثالث لوزير الطاقة وأصبح وزيرا لنرى. لأن هناك قوة في هذا النظام تستمد من قوة عقد البواخر التركية (في إشارة إلى عقد استئجار بواخر من تركيا لإنتاج الطاقة)، الذي جرى التوافق عليه مسبقاً في أروقة باريس. وللتذكير أن الكهرباء تكلفت 40 مليار دولار”.
وعما إذا كان يعتقد أن حزب الله سيذهب إلى المواجهة أو ينتقل إلى احتواء الأزمة ويدخل في مسار إصلاحي لإنجاح حكومته؟، سأل جنبلاط مستغرباً “المواجهة مع من؟ داخلياً أو خارجياً؟ أو تقبل مطلب الشارع؟”. وردا على كلام النائب محمد رعد الذي قال أخيراً “لن ندعكم وشأنكم ، إن شاركتم أو لم تشاركوا؟”؛ يوضح جنبلاط “فليسمح لي النائب رعد، لا يمكننا الاستمرار فيما نحن عليه اليوم. نحترم كل التضحيات في وجه إسرائيل، لكن لا يمكنهم الاستمرار في مخاطبة اللبنانيين بهذه الطريقة”.
وعن اعلان رئيس الحكومة جولة خليجية له، أعرب جنبلاط عن أمله في “ألا توصد أبواب الخليج في وجهه، وأن يُستقبل، آخذين في الاعتبار أن لدى هذه الدول هموم وانشغالات كبيرة من حرب اليمن إلى غيرها، وقد لا تساعد لبنان. ولكن قبل أن نطلب كما اعتدنا أن نفعل، علينا أن نبادر إلى مساعدة أنفسنا بأنفسنا”.
الى ذلك اضافت “الاندبندنت”، بعد لقائه الرئيس الحريري، كان لافتاً تطرق جنبلاط إلى مسألة النفط والمساعدة الروسية، غامزا من قناة دور روسي ما في لبنان على غرار دورها في سوريا؟ وقال حول ذلك “انطلقت باقتراحي من الاتفاق بين التيار الوطني الحر وشركة النفط الروسية قبل عام تقريباً. واقترحت في سياق اقتناعي بالموارد المهمة التي يتمتع بها شمال لبنان مقابل مستويات مرتفعة من الفقر رغم الثروات الموجودة على المستوى الفردي، أن يعاد إحياء امتياز نفط العراق لتفعيل المنشآت فيأتي النفط العراقي أو الروسي عبر تركيا وروسيا، لأن خط الأنابيب مدد”.
وأضاف “لا بد من دور روسي في لبنان، وأنا أعوّل على هذا الدور لأن لديهم احتياطيات هائلة، وروسيا لديها دور استراتيجي في المنطقة. كما يمكننا أن نعوّل على استقطاب استثمارات صينية إلى مرفأ طرابلس، وندرك أن الصينيين قاموا بأعمال توسعة المرفأ. ولمّا يكون هذا المرفأ على خط الحرير العملاق الذي يجتاح العالم. وفي هذه الأثناء، تضيع فلسطين”.