بينما يستمر عدد سكان كندا في النمو بمعدلات مذهلة، فإن البلاد تفقد سكانها في الوقت نفسه بوتيرة قياسية.
وفقا لهيئة الإحصاء الكندية، شهدت البلاد في الربع الثالث رابع أكبر رحيل لسكانها خلال الـ 73 عاما الماضية، فقد غادر البلاد أكثر من 32 ألف شخص، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 3 في المئة في الهجرة.
وآخر مرة فقدت فيها كندا سكانا أكثر كانت خلال أرباع أعوام 2016 و1967 و1965.
وخلال الأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام، رحل أكثر من 74 ألف ساكن.
وكشف تحليل من Better Dwelling أن الربع الأخير من عام 2023 يمكن أن يأتي أقل من العامين السابقين ولا يزال يسجل واحدة من أكبر السنوات على الإطلاق للتدفقات الخارجية”.
وجاء في التحليل “لقد تم تجاهل الهجرة الخارجة من كندا إلى حد كبير لأن النمو السكاني القياسي يغطي عليها، ويضيف التحليل أن معظم صناع السياسات يتجاهلون هذه القضية بسبب الزيادة الصافية في تعداد السكان، ومع ذلك، فإنهم يتجاهلون نقطة مهمة بدأت تظهر على السطح – وهي أنه إذا كان الأشخاص الأكثر دراية ببلد ما لا يرون فرصة، فإلى متى يمكن أن يجذب المهاجرين؟”
وتظهر البيانات الصادرة عن هيئة الإحصاء الكندية أن النمو السكاني في البلاد في الربع الثالث من عام 2023 حطم الرقم القياسي المسجل منذ 66 عاما.
فوفقا لأحدث تقرير لهيئة الإحصاء الكندية، فإنه اعتبارا من 1 أكتوبر، تجاوز عدد سكان البلاد 40.5 مليون نسمة، وهو ما يمثل زيادة بأكثر من 430 ألف شخص عن 1 يوليو.
سكان أونتاريو يغادرون المقاطعة بأعداد كبيرة
يبدو أن الهجرة الجماعية التي شهدتها تورنتو وأونتاريو ككل خلال فترة الإغلاق تكرر نفسها حيث يعاني السكان من ارتفاع تكاليف المعيشة، من بين مشكلات أخرى، في المقاطعة.
وعلى الرغم من أنه كان هناك نمو سكاني قياسي في كندا خلال الأشهر القليلة الماضية، فإن البيانات الجديدة الصادرة عن هيئة الإحصاء الكندية هذا الأسبوع تظهر أن عشرات الآلاف من السكان غادروا أونتاريو، وبريتش كولومبيا ومقاطعات أخرى للتدفق إلى ألبرتا، من بين جميع الأماكن.
ويبدو أن الحملات الإعلانية المتواصلة في ألبرتا لحث الأشخاص من أماكن أخرى في كندا على التفكير في الانتقال إليها كانت أكثر نجاحا.
وسجلت جميع المقاطعات والأقاليم خسائر في عمليات تبادل الهجرة بين المقاطعات في الربع الثالث من عام 2023 باستثناء ألبرتا، التي استمرت في تحقيق أعلى مكاسب صافية (+17094) ونيو برونزويك (+21)، مع مكاسب صغيرة جدا.
ويمثل هذا خمسة أرباع متتالية تشهد فيها مقاطعة ألبرتا مكاسب قدرها 10000 أو أكثر من الوافدين الجدد الذين حزموا أمتعتهم للتوجه إليها، وبالطبع زيادة القدرة على تحمل التكاليف، خاصة بالنسبة للسكن.
تجدر الإشارة إلى أن متوسط سعر المنزل في كالجاري، أكبر مدن ألبرتا، يبلغ حوالي 557,400 دولار مقارنة بـ 1,081,300 دولار في تورنتو.
بينما يبلغ متوسط سعر المنزل في إدمونتون، عاصمة المقاطعة 368,200 دولار اعتبارا من نوفمبر 2023.
وقالت الإحصاء الكندية إن عدد سكان كندا نما في الأشهر الثلاثة الماضية أكثر مما كان عليه في أي ربع منذ عام 1957، مع نمو بمقدار 430,635 شخصا (زيادة بنسبة 1.1%) في الفترة من يوليو إلى أكتوبر 2023.
ترودو غير مستعد للتنحي
على الرغم من أنّ 2023 لم تكن سنة رائعة بالنسبة لحكومة الأقلية الليبرالية في أوتاوا، إلا أنّ رئيسها، جوستان ترودو، يقول إنه ليس لديه أيّ نية للتنحي.
وتضع استطلاعات الرأي الأخيرة الليبراليين في مرتبة متأخرة جداً عن المحافظين في نوايا تصويت الناخبين الكنديين. ويشكّل حزب المحافظين الكندي المعارضة الرسمية في مجلس العموم.
لكنّ ترودو أخبر روزماري بارتون، كبيرة المراسلين السياسيين لشبكة ’’سي بي سي‘‘ الإخبارية (القسم الإنكليزي في هيئة الإذاعة الكندية)، في مقابلة بمناسبة نهاية السنة أنه مصمم على البقاء زعيماً للحزب الليبرالي الكندي.
’’في ظل التحديات التي يواجهها الناس الآن، ومع الطريقة التي يسير بها العالم الآن، وكون كلّ ما نقوم به يحدث فوارق إيجابية في وقت صعب للغاية لم ينته بعد، لن أكون الشخص الذي أنا عليه لو كنتُ على استعداد للابتعاد عن هذا الوضع الآن‘‘، قال ترودو لـ’’سي بي سي‘‘.
وتطرّق ترودو في المقابلة إلى عدد من القضايا والتحديات.
الضريبة على الكربون
الصورة: LA PRESSE CANADIENNE / SEAN KILPATRICK
في مواجهة ضغوط داخلية من ممثلي المقاطعات الأطلسية في كتلته النيابية، أعلن ترودو في تشرين الأول (أكتوبر) عن استثناء في إحدى سياساته البيئية الرئيسية.
فقد أعلنت حكومته عن إعفاء مازوت التدفئة من ضريبة الكربون الفدرالية لمدة ثلاث سنوات. وقال ترودو إنّ هذه الخطوة تهدف إلى مساعدة أولئك الذين يستخدمون أفران التدفئة العاملة على المازوت على التحوّل إلى مصادر صديقة للبيئة مثل المضخات الحرارية الكهربائية لتدفئة منازلهم.
وتحوَّل هذا الإعفاء إلى نقطة اشتعال سياسية في مجلس العموم حيث ادّعى زعيم المحافظين بيار بواليافر أنّ ترودو جعل ضريبة الكربون المسألة التي ستتمحور حولها الانتخابات المقبلة. الصورة: CBC
وردّاً على سؤال عمّا إذا كان يحاول الحفاظ على المقاعد النيابية الليبرالية في المقاطعات الأطلسية، حيث يستخدم 30% من أصحاب المنازل المازوتَ للتدفئة، أكّد ترودو أنّ الإعفاء يهدف إلى منح الناس مزيداً من الوقت للتحول إلى المضخات الحرارية.
’’السياسة هي الاستجابة لمشاكل الناس، وهذا لا يعني أنه لم تكن هناك مخاوف عميقة وحقيقية تتعلق بالسياسة (المتعلقة بتسعير الكربون)‘‘، قال ترودو.
وتسري ضريبة الكربون الفدرالية على المقاطعات والأقاليم التي لم تعتمد أنظمة خاصة بها لتسعير الكربون تعتبرها أوتاوا كافية لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة. وتحصل الأسر في تلك المقاطعات والأقاليم على خصم مالي لتعويض هذه الضريبة الفدرالية.
التدخل الأجنبي
وهيمنت قضية التدخل الأجنبي على الساحة السياسية في النصف الأول من عام 2023 بعد أن أفاد عدد من التقارير الإعلامية، نقلاً عن مصادر أمنية غير مسمّاة ووثائق سرية، أنّ الصين تدخلت في الانتخابات الكندية العامة لعاميْ 2019 و2021.
وتحت ضغط من أحزاب المعارضة، أطلقت الحكومة الفدرالية تحقيقاً عاماً بشأن هذا التدخل الأجنبي المزعوم في الانتخابات.
وسألت بارتون ترودو ما إذا كان يعتقد أنّ أولئك الذين سرّبوا المعلومات السرية للغاية سيواجهون اتهامات جنائية.
’’آمل ذلك بالتأكيد. نزاهةُ أجهزتنا الاستخباراتية، وأيضاً، بكل صراحة، سلامةُ الأشخاص الذين يعرضون حياتهم للخطر حول العالم في بعض الأماكن الشديدة الخطورة، هما معرّضتان للخطر في كل مرة تحصل فيها تسريبات من داخل إطار الأمن القومي لدينا‘‘، أجاب ترودو.
وأشارت بارتون إلى أنه لولا التسريبات، لما تمّ ربّما إطلاق تحقيق عام على الإطلاق. لكنّ ترودو قال إنّ حكومته نشطة في منع حصول تدخلات أجنبية.
الإسكان
الصورة: THE CANADIAN PRESS / ADRIAN WYLD
مع العودة البرلمانية في أيلول (سبتمبر) أطلق الليبراليون سياسة جديدة بشأن الإسكان.
وكان ترودو قد أجرى تعديلاً حكومياً أواخر تموز (يوليو) تضمّن تعيين شون فرايزر، أحد نوابه في مقاطعة نوفا سكوشا الأطلسية، وزيراً للإسكان والبنى التحتية.
ومنذ تبوئه منصبه الجديد، أعلن فرايزر عن عدد من اتفاقيات التمويل مع البلديات بهدف تعزيز بناء المساكن.
لكنّ المؤسسة الكندية للقروض العقارية والسكن (CMHC – SCHL)، وهي وكالة الإسكان الوطنية في البلاد، تقدّر بأنه من أجل معالجة مشكلة الإسكان الذي لا يمكن لشريحة واسعة من المواطنين تحمل تكاليفه، لا بد من بناء قرابة 3,5 ملايين وحدة جديدة بحلول نهاية العقد الحالي من الزمن، وهذا علاوة على المساكن التي هي قيد الإنشاء.
وفيما يوافق ترودو على ضرورة بذل المزيد من الجهود في مجال الإسكان، يعتبر أنّ برامج مثل ’’مبادرة الإسكان السريع‘‘ و’’حساب التوفير المعفي من الضريبة لشراء أول منزل‘‘ (CELIAPP / FHSA) ستساعد المزيد من الكنديين على شراء مساكن ليقيموا فيها.
’’أعتقد أنّ الشباب يشعرون، وبحق، بالقلق بشأن (اقتناء منزل) لأنّ الوضع في الوقت الحالي صعب للغاية‘‘، قال ترودو، ’’لكنّ الأشياء التي نضعها موضع التنفيذ تعني أنّ الشباب سيكونون قادرين على التطلع لامتلاك منزل‘‘.
الصورة: ASSOCIATED PRESS / EDUARDO VERDUGOواعترف ترودو في المقابلة بأنّ عام 2023 كان صعباً بالنسبة له على الصعيد الشخصي. ففي آب (أغسطس) أعلن هو وزوجتُه صوفي غريغوار ترودو أنهما قررا الانفصال عن بعضهما البعض.
وقال ترودو لبارتون إنّ التحديات الشخصية لم تؤثر على وظيفته، عازياً إلى حكومته دوراً في الحد من تأثير الانفصال الزوجي على عمله.
’’لديّ فريق رائع من الوزراء الاستثنائيين الذين يقومون بعمل عظيم، عظيم (فعلاً)‘‘، قال رئيس الحكومة الليبرالية.
وعند سؤاله أين يجد التفاؤل بعد عام صعب، أشار ترودو إلى اتفاقيات رعاية الأطفال التي أبرمتها حكومته مع المقاطعات وإلى الصفقات الأخيرة لإنشاء مصانع بطاريات للسيارات الكهربائية في مقاطعتيْ أونتاريو وكيبيك.
CN24,DH,RCI
To read the article in English click this link