تترقب الأوساط الشعبية والحكومية والدينية في العراق، الزيارة التي من المقرر أن يقوم بها شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، في نوفمبر القادم، للعراق، بناء على دعوة رسمية من الحكومة، وتحت متابعة وإشراف مباشر من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
“العربية.نت”، كانت أجرت حواراً مع الأمين العام لـ”معهد الخوئي” د. جواد الخوئي، في 8 مايو الماضي، كشف فيه عن زيارة د. الطيب لمدينة النجف، مقر “الحوزة العلمية”، قائلاً إن “هنالك جهوداً يتم العمل عليها بعيداً عن الأضواء، من أجل عقد لقاء بين شيخ الأزهر أحمد الطيب والمرجع السيد علي السيستاني”، وهو اللقاء الذي أكدت مصادر خاصة تواصلت معها “العربية.نت” أنه يجري العمل على ترتيبه، وأنه بالفعل جرى اتصال بين شخصية مقربةٍ من شيخ الأزهر وأخرى من مكتب المرجع السيستاني.
ترسيخ الاعتدال
الزيارة المرتقبة للدكتور أحمد الطيب، تأتي في سياق دعم جهود الاستقرار في العراق والشرق الأوسط، وتخفيف التوترات المذهبية، والتأكيد على أن هنالك تياراً يمثل “الاعتدال الإسلامي”، منفتح على أُفقٍ إنساني أوسع، يريد تجاوز حقبة الخطابات الإسلاموية المؤدلجة.
من هنا، سيكون حضور شيخ الأزهر استكمالاً للقاء د. أحمد الطيب ببابا الفاتيكان فرانسيس في العاصمة الإماراتية أبوظبي، العام 2019، وتطبيقاً لبنود وروح وثيقة “الأخوة الإسلامية”، ومعززة لزيارة البابا فرانسيس للعراق، مارس الماضي.
الحكومة العراقية من جهتها، تسعى لأن تكون الزيارة متجاوزة لأي أُطر طائفية يطمحُ البعض لوصمها بها، فهي بحسب مصدرٍ مطلعٍ “ليست زيارة من زعيم سنيٍ لسنة العراق، بل زيارة من زعيم إسلامي عربي للعراقيين كافة بمختلف أديانهم وطوائفهم وأعراقهم”، مبيناً أن “جدول أعمال الزيارة سيشمل أماكن عدة، من بينها بغداد والموصل والنجف وأربيل”، مردفاً “قد تكون هنالك زيارات لمدنٍ أخرى، حيث إن الجدول النهائي للزيارة لم يعلن بعد، والترتيبات جارية لاستكماله”.
المصدر ذاته يرى أن “قدوم شيخ الأزهر يرسخ منهج الاعتدال الإسلامي، المتجاوز للإسلام السياسي وللحزبية والطائفية. فهنالك قيادات روحية معتدلة وواعية كالدكتور أحمد الطيب والمرجع السيد علي السيستاني، واللقاء بين هاتين القامتين الروحيتين سيبعث رسائل إيجابية تعزز خطاباً منفتحاً بعيداً عن التعصب والكراهية وفتاوى التكفير أو الاحتراب الطائفي”.
“المجمع الفقهي العراقي”، سيكون أيضاً حاضراً في استقبال شيخ الأزهر ولقاءاته، والذي من المحتمل أن يزور “جامع الإمام الأعظم”، لما يمثله من رمزية روحية ومرجعية للمسلمين السنة في العراق.
استعدادات النجف
الخميس 21 أكتوبر الجاري، زار “مكتبة الإمام الخوئي العامة، ومدرسة دار العلم، الأستاذ الدكتور محمد سالم (أبو عاصي) رئيس قسم الدراسات العليا في جامعة الأزهر، برفقته الدكتور الشيخ حامد عبد العزيز الحمد، رئيس جمعية رابطة العلماء في العراق، وجمع من الإخوة مشايخ الرابطة”، بحسب ما نشرته “مكتبة الإمام الخوئي العامة” في حسابها بمنصة “فيسبوك”.
الوفد التقى الأمين العام لـ”معهد الخوئي”، السيد جواد الخوئي، حيث “أكد على روح الوحدة والتعاون، والتعايش السلمي، ونبذ الخلاف والفرقة”.
هذه الزيارة رغم طابعها العلمي، يعتقد البعض أنها تحمل بين طياتها مهمة استكشافية لاستطلاع الأجواء في النجف، وترتيب بقية تفاصيل زيارة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، للمدينة التي يقطنها عدد من كبار مراجع الدين للمسلمين الشيعة.
علاقات قديمة
العلاقة بين مؤسسة “الأزهر الشريف” و”الحوزة العلمية” في النجف ليست بالطارئة، فهي قديمة، حيث نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” في لقاء أجرته مع الأمين العام لـ”مؤسسة الخوئي الخيرية” في لندن، الراحل السيد عبد المجيد الخوئي، العام 2001، أن الخوئي التقى شيخ الأزهر الراحل د. محمد سيد طنطاوي، حيث أخبره الأخير أنه “عندما كان طالباً في جامعة البصرة، سافر إلى النجف والتقى بوالدي الإمام أبو القاسم الخوئي، وطلب منه حضور مجالس درسه وبحثه يومي الخميس والجمعة، وأن والدي كان قد وافق على ذلك، وبدأ بإعطائه الدروس في بيتنا وذلك خلال الأعوام بين 1966 وحتى 1969”.
الخوئي أضاف لـ”الشرق الأوسط” أن الشيخ طنطاوي أشاد بالإمام الخوئي ووصفه بـ”شيخي وأستاذي الذي أخذت منه العلم واستفدت منه كثيرا، خاصة في مجال تفسير القرآن الكريم”.
من جهة أخرى، امتدح عبد المجيد الخوئي الزيارة التي قام بها د.محمد سيد طنطاوي لـ”مؤسسة الخوئي الخيرية” في العاصمة البريطانية لندن، 1997، حيث “التقى علماء المسلمين من الشيعة واستمع وتحدث إليهم”.
كلية الاجتهاد
السيد عبد المجيد الخوئي، الذي قُتل في مدينة النجف، إبريل 2003، كان قد اقترح على شيخ الأزهر الراحل د. محمد سيد طنطاوي، تأسيس “كلية الاجتهاد”، تكون هذه الكلية “مركزاً للقاء وتبادل المعلومات، والتعايش المباشر بين مختلف علماء المذاهب الإسلامية، مما يوطد علاقات الأخوة الإيمانية فيما بينهم”.
فكرة “كلية الاجتهاد” قد تعود لها الحياة مجدداً مع الزيارة التي سيقوم بها شيخ الأزهر د. أحمد الطيب إلى “الحوزة العلمية” بمدينة النجف، خصوصاً أن هنالك عدداً من طلاب هذه الحوزة قد تعلم في “الأزهر الشريف”، ونال درجات علمية هناك، وخصوصاً في الدراسات العُليا.