يمكن الاستدلال على السياسة الأمريكية المقبلة في سوريا خلال السنوات الأربع القادمة، عبر فهم الطريقة التي يفكر فيها الرئيس المنتخب جوزيف بايدن، والمجموعة التي يعمل في فلكها وعلى رأسها الرئيس الأسبق باراك أوباما حيث كان بايدن نائبه بين 2009 و2017.
ولا يتعلق الأمر بفهم الطريقة السياسية التي يفكر فيها الرئيس الجديد فقط، بل أيضاً بالأطراف المنخرطة في الملف السوري، إذ سبق وأيد بايدن غزو أفغانستان والعراق، وتقسيم الأخيرة إلى ثلاث فيدراليات، لكنه في شأن إيران بدا متماهيا منذ ما قبل فترة حكم أوباما مع فكرة استخدام الدبلوماسية، ورفض اعتبار الحرس الثوري جماعة إرهابية، وهذا المسار في التفكير السياسي، مع النظر في سياسة أوباما بشأن الملف السوري ورفضه توجيه ضربات ولو جزئية إلى نظام الأسد رغم خطّه الأحمر لاستخدام النظام السوري السلاح الكيماوي كما حصل عام 2013، كلّها مؤشرات على أن سوريا ربما ستشهد مزيداً من نزيف الدّم على اعتبار أن إيران ستتحرر من ضغط كبير مارسته إدارة ترامب، كما سيكون لعودة الولايات المتحدة إلى سياسات أكثر توازنا مع أوروبا دور في تعزيز المسار السياسي الذي تستغله طهران في زيادة نفوذها وتغلغلها في المنطقة.
إن استمرار السياسة الأمريكية التي انتهجتها إدارة ترامب في الملف السوري، كما عبر عن ذلك المبعوث المستقيل جيمس جيفري غير مؤكدة، لكنها غير قابلة للتغيير بشكل جوهري -على الأقل- خلال النصف الأول من 2021، وهي الفترة التي تعوّل عليها موسكو لتخفيف الضغط وتحقيق اختراقات في ملف إعادة الإعمار، وبدء حصد نتائج العمل العسكري بعد فشل الحشد لعقد “مؤتمر اللاجئين السوريين” المزمع يومي 11 – 21 الجاري، والذي تسبب الضغط الأمريكي بخفض مستوى المشاركة فيه.
ويشكل موقف الإدارة القادمة من الدور الروسي عاملاً حاسماً في حسابات الملف السوري، إذ ليس من المتوقع تخفيف الضغط، إذ يرى الخبراء أن روسيا ستحتل موقع العدو الأول بدل الصين، في نهج مغاير لما اتبعه ترامب، إذ سبق وكان بايدن جزءا من سياسة فرض العقوبات على روسيا في عهد أوباما، وهذا يعني أن التسليم بالدور الروسي في مناطق واسعة من سوريا لن يستمر وفق ما هو قائم، وربما تستعيد واشنطن بعض الدّور في الجنوب، وهو أمر مرتبط بذات الوقت بتقييم إسرائيل لمرحلة التفاهمات الأمريكية – الروسية التي قضت بأن يلعب الروس دوراً في إبعاد إيران مسافة 30 كم عن الحدود الإسرائيلية، وهو مطلب أردني في ذات الوقت.
بالنظر إلى نتيجة التفاهمات، يبدو ظاهراً أن الروس فشلوا في إبعاد إيران، بل إن عمليات الاقتحام الأخيرة للفرقة الرابعة الموالية لإيران مع ميليشيا تدعمها الأخيرة في مدينة درعا على بعد بضع كيلومترات من الحدود الأردنية تحمل إشارات على مرحلة صعبة تحتاج إعادة إنتاج تفاهمات جديدة.
وبالنظر إلى الدعم المطلق الذي يوليه بايدن لإسرائيل، فليس مستبعداً أن يكون ترك إيران تتمدد جزءا من محاولة روسية لإدخال إسرائيل على خط التقريب بين موسكو وواشنطن وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العمل بين الطرفين، وهذا ما يعيد إلى الأذهان تفاهم كيري لافروف عام 2016، والتي ترافقت مع تصريحات مدير وكالة الاستخبارات المركزية “CIA” وقتها، جون برانن، حيث توقع تقسيم سوريا إلى “كونفدرالية تتكون من مناطق حكم ذاتي محلية قد تنضوي تحت ظلّ حكومة مركزية”، وهو ما فسره محللون على أنه طرح بتقسيم سوريا إلى 3 مناطق، كردية وسنيّة وعلوية، وهذا بالضبط يتماشى مع ما خبره المحللون من قناعات وتجربة الرئيس الجديد بايدن بشأن العراق.
ترى بعض التحليلات بأن الأسد سيمارس لعبة للحوار مع الأمريكيين عبر الرسائل المتناقلة عن استعداد دمشق للجلوس على طاولة المفاوضات مع إسرائيل، إلا أن التحليلات تذهب أكثر إلى أن فتح ملف مفاوضات السلام بين دمشق وتل أبيب مشكوك فيه، بوجود الأسد المسيطر نظرياً على مساحة 60 بالمئة التي يفترض أنها بيد النظام، فيما ستكون مثل هذه المفاوضات رهناً لوجود قوات روسية وإيرانية وتركية تلعب دورا أساسيا في تحديد مصير البلاد.
ربما سيكون من الأفضل لفريق بايدن الاستثمار في ملفين أساسيين بشأن سوريا، وهما التحالف لمحاربة داعش، وقانون “قيصر” القوي والذي يشكل ضغطاً استثنائيا ليس على دمشق فقط بل أيضا على حلفائها.
وإلى أن يشكل بايدن فريقه للأمن والسياسة الخارجية، ستبقى الولايات المتحدة دون استراتيجية واضحة بشأن سوريا، وستعتمد قراراتها على تحليل طبيعة هذا الفريق، وكذلك على رؤية بايدن وتوجهاته، وهذا يعني أن لا تغيير جوهرياً، وأن أي تحركات لبناء تفاهمات أو تبني سياسات جديدة ستأخذ وقتاً طويلاً، ولن تكون هناك عملية إعادة ترميز للقوى الحليفة أو المعادية على المدى المنظور.