كتب بيير غانم في “العربية”: تعمد الولايات المتحدة الاميركية إلى فرض عقوبات مالية واقتصادية مباشرة على إيران وتطبّق عقوبات “ثانوية” على أي طرف يساعد إيران في نشاطاتها، وتبدو العقوبات الجديدة التي أعلنت عنها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الاثنين الماضي أفضل مثال على استعمال الولايات المتحدة “العقوبات” كوسيلة لعزل إيران وإبعاد الأطراف الدوليين عن الدولة المارقة.
يبدو أن الولايات المتحدة نجحت إلى حدّ كبير في إبعاد الشركات الدولية عن العمل مع إيران منذ انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي العام 2018 وقد امتنعت شركات نفط مثل توتال الفرنسية وغيرها من العمل في مشاريع تنقيب عن النفط واستخراجه في إيران.
فضيحة بـ 2 تريليون
لكن تحقيقاً صحافياً لمؤسسة “بازفيد” بالإضافة إلى تصريحات وأوراق رسمية من مؤسسات الرقابة التابعة لوزارة الخزانة الأميركية، كشفت أن منظمات إرهابية ودولا دكتاتورية أو راعية للإرهاب، تمكنت خلال عشرين سنة من تحويل ما لا يقل عن 2 تريليون دولار أميركي عبر المصارف الأميركية وغير الأميركية، وتمكنت من غسل أموال المخدرات وتهريب البضائع وغيرها وإيصال هذه الأموال إلى تنظيمات ودول فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات.
يفرض القانون الأميركي على المصارف إبلاغ “وكالة مكافحة تمويل الشبكات الإجرامية” في كل مرة تشتبه فيها المصارف في التحويلات، أي أن يكون مصدرها تبييض أموال، أو أنها موجهة إلى تنظيم أو شخص أو دولة مشبوهة بالإرهاب ورعاية النشاطات الإجرامية.
كشفت الأوراق أن المصارف قامت بالفعل بذلك، لكنها تقاعست عن وقف التحويلات كما تقاعست المؤسسة الحكومية الأميركية عن اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف التحويلات.
جوناثان شانزر من معهد الدفاع عن الديمقراطية وهو مسؤول سابق في وزارة الخزانة الأميركية صرّح لدى التعليق على هذه الأخبار أن “كمية الأموال التي تمّ تحريكها بين تركيا وإيران خلال عمل شبكة رضا زاراب تقدّر بـ 20 مليار دولار وربما تكون أقلّ” وأضاف إلى أن “هذا المبلغ لا يشمل الأموال التي تمّ تحويلها بين لبنان وجنوب أميركا لصالح حزب الله“.
كشفت أوراق دعاوى سابقة بحق ناشطين باسم حزب الله تمّ توجيه التهم إليهم بتحويل أموال من جنوب أميركا وإفريقيا، أنهم تمكنوا من تحويل المليارات لصالح التنظيم التابع لإيران، وعلى سبيل المثال، تقول أوراق الاتهام الموجه لقاسم تاج الدين إنه تمكن خلال السنوات ما بين 2009 و2016 من تحويل أموال بقيمة 50 مليون دولار عبر المصارف الأميركية والدولية، لكن أوراق الدعوى تقدّر أن المجموع العام لما تصرّف به تاج الدين وحوّله عبر المصارف خلال تلك المرحلة يصل إلى مليار دولار.
شبكة إيران
كما أن الولايات المتحدة تابعت نشاط عشرات الأشخاص والشركات الذين عملوا لصالح النظام الإيراني وفرضت عقوبات كثيرة عليهم، لكن من الأرجح أن النظام الإيراني ما زال قادراً من خلال الشبكات الخاصة ومن خلال مؤيديه في الولايات المتحدة وجنوب أميركا من تحويل المليارات وأن المطلوب هو إجراءات أكثر قساوة لتكون العقوبات أكثر فعالية.
يعتبر جوناثان شانزر من معهد الدفاع عن الديمقراطية أن “المصارف تقوم بعملها من ضمن النظام الموجود وتتابع ملء الاضبارات المطلوبة، لكن النظام ليس كاملاً” وأضاف “أن الدول والمجموعات الإرهابية تتابع التهرّب من الإجراءات الموجودة لمنع نشاطها“.
يشكك آخرون في خطورة الوضع ويعتبرون أن شبكة أيران وحزب الله قامت بالالتفاف على الإجراءات ولكن ليس بالحجم الذي رسمته التقارير وشددوا على أن الحكومة الأميركية حسّنت من أداء وإجراءات “وكالة مكافحة تمويل الشبكات الإجرامية” وتؤكد بعض الإحصاءات أن هناك تحسناً في عدد التقارير التي رفعتها المصارف ووصلت العام 2019 إلى مليونين.
ما لا شكّ فيه أن تزايد الضغوطات على إيران والميليشيات التابعة لها سيدفع طهران لاتباع أساليب أكثر غموضاً للتحايل على العقوبات وسماح المصارف بالتحويلات وسيجعلها قادرة ولو بشكل محدود على تحاشي هذه العقوبات.