كتب غسان ريفي في صحيفة “سفير الشمال” تحت عنوان “جوع اللبنانيين أقوى من كورونا.. هل يطيح الشارع بالحكومة؟”: “كل كلام بالنسبة للبنانيين لا يقدم حلولا لجنون الدولار ويلجم وحش الأسعار هو مردود على أصحابه مهما علا شأنهم، لأن معالجة الجوع الذي يطرق الأبواب والتصدي له هو أهم من كل المشاريع السابقة واللاحقة، ومن كل الوعود، ومن كل السياسات وتجاذباتها وخلافاتها، وهو أهم من كل الرئاسات والوزارات والمجالس، الموجودة من أجل تحقيق مصلحة اللبنانيين، وهي تفقد دورها تباعا مع تنامي الأزمة التي بدأت ترخي بظلالها القاتمة على تفاصيل الحياة اليومية.
أسقط الدولار التعبئة العامة التي أقرتها الحكومة فعاد المواطنون الى الشارع مطالبين بلقمة العيش، وأسقط حاكم مصرف لبنان هدنة كورونا السياسية فإنطلق الاشتباك السياسي حول إقتراح إقالته، وأسقط سلوك الحكومة الارتجالي فترة السماح المعطاة لها قبل أوانها، لتبدأ مواجهة من العيار الثقيل بينها وبين معارضيها الذين يشعرون أنها تشكل رأس حربة لاستهدافهم ولتغيير النظامين السياسي والاقتصادي في البلاد.
لا شك في أن اللبنانيين وجدوا أنفسهم أنهم وصلوا الى حائط مسدود ليس لديه أي منفذ، فلم تجد تحركاتهم نفعا في إنتفاضة 17 تشرين الأول التي نجحت السلطة في إستيعابها وصولا الى تدجينها بحكومة سياسية مقنعة بتكنوقراط، فكان الطموح بتغيير سياسي، “سرابا يحسبه الظمآن ماء”، وترافقت إنتفاضتهم مع أزمة إقتصادية خانقة أدت الى خسارة الآلاف منهم لوظائفهم وأعمالهم، ومن لم يخسر وظيفته وجد نفسه مضطرا لأن يقبل بنصف أو ربع راتب، وذلك قبل “الطامة الكبرى” التي تمثلت بالارتفاع المطرد للدولار الأميركي الذي بلغ سعرا غير مسبوق في تاريخ لبنان حيث تجاوز الأربعة آلاف ليرة، ليضع الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تحت خط الفقر بعدما فقدت رواتبها قيمتها الشرائية، في ظل وحش الأسعار الذي يلتهم المقدرات المالية كافة.
لم يكن أمام اللبنانيين سوى كسر كل القرارات وتجاوز كل الالتزامات والنزول الى الشارع بهدف إسماع صرختهم للحكومة التي بدل أن تعلن حالة الطوارئ لمواجهة الدولار، ومنع تجول الصرافين، وإقفال محلاتهم، وملاحقة المتلاعبين بلقمة عيش المواطنين، ومواجهة جشع التجار، تنشغل في تصفية الحسابات السياسية وفي تنفيذ أجندات الفريق الذي أتى بها، بينما لا يملك رئيسها الذي ملّ اللبنانيون من إطلالاته التلفزيونية المتكررة التي لا تقدم جديدا، ولا تحمل سوى التنظير والتوصيف والوعود.
أمام هذا الواقع عاد الشارع اللبناني الى التحرك الغاضب، وكما هي العادة في كل تحرك من هذا النوع، لم يخل الأمر من أعمال عنف وتكسير وحرق لواجهات بعض المصارف والمؤسسات، ومن قطع الطرقات وعزل المناطق عن بعضها البعض ومواجهة الجيش والقوى الأمنية، خصوصا أن أطرافا عدة دخلت على خط التحركات وفي كل المناطق، ما يجعل الأمور قابلة للتفلت من عقالها.
ومما يثير المخاوف هو أن أكثرية التقارير الدولية تتحدث عن إنهيار إقتصادي ومالي في لبنان وعن إنفجار إجتماعي ناتج عن الجوع، كما تبدي الأجهزة الأمنية والعسكرية عدم إرتياحها لما يحصل، مؤكدة أن النار تحت الرماد، فهل ستبادر الحكومة الى خطوات غير تقليدية لمواجهة هذا الخطر، وإيجاد حل منطقي لسعر الدولار أو لتعاطي المصارف مع المودعين أو لغلاء الأسعار، أم أن الاجندات الملزَمة بتنفيذها تشكل لديها أولوية، ما سيجعل الشارع ينفجر في وجهها وصولا الى الاطاحة بها على غرار الحكومات التي سقطت تحت ضغط التحركات الشعبية، خصوصا أن كثيرا من التحليلات بدأت تتحدث عن أن لبنان يحتاج الى صدمة إيجابية تعيد الأمور الى نصابها، وأن هذه الصدمة تبدأ من إسقاط الحكومة!..”.