يرى مراقبون ومُحللون سياسيون، أن الموقف الفلسطيني الموحد، الرافض، لصفقة القرن المزعومة، يجب أن يمثل فرصة ذهبية للأطراف الفلسطينية من أجل تحقيق المصالحة الداخلية، سيما بعد الإشارات الإيجابية من قبل حركتي فتح وحماس.
وفي أحاديث منفصلة لوكالة الأناضول، يؤكد المراقبون على ضرورة الالتقاء على “برنامج وطني جامع للكل الفلسطيني، يُترجم الموقف الرافض من الصفقة إلى خطوات عملية نحو إفشالها”.
لكنهم في الوقت ذاته، يُقدّرون بأن ثمة عقباتٍ كبيرة لا زالت تعترض تحقيق مصالحة جادة وحقيقية، في ظل تمسك كلّ طرف ببرنامجه السياسي الخاص.
وتسود الأراضي الفلسطينية حالة الانقسام السياسي بين قطاع غزة والضفة الغربية، منذ بسط حركة حماس سيطرتها على القطاع في يونيو/ حزيران 2007.
**رفض بالإجماع
وأجمعت القوى السياسية الفلسطينية كافة على الرفض القاطع للخطة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” تحت مُسمى “صفقة القرن”، والتي حظيت بترحيب إسرائيلي كبير.
ومساء الثلاثاء، أعلن “ترامب” خلال مؤتمر مشترك في واشنطن، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو”، عن خطته المزعومة لتحقيق السلام، لكنها تتضمن انحيازاً واضحاً للطرف الإسرائيلي، وانتقاصاً للحقوق الفلسطينية.
وتنص الصفقة على الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل، وبقاء الأماكن المقدسة تحت السيادة الإسرائيلية، في تجاهلٍ للقرارات الأممية الصادرة بالخصوص.
كما تقضي بضم “إسرائيل” لـ 30% من أراضي الضفة الغربية المحتلة، إلى جانب ضم المستوطنات الكبرى فيها، مقابل منح الفلسطينيين أراضٍ بديلة في النقب.
وتجاهلت الصفقة حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها.
**فرصة ذهبية
ويرى الكاتب والمحلل السياسي سعيد الحاج، أن إعلان “ترامب” لصفقة القرن يُمثل فرصة ذهبية للأطراف الفلسطينية من أجل تحقيق مصالحة داخلية، سيما وأن الخطة تستهدف الكل الفلسطيني، وتسعى لتصفية القضية.
واعتبر الحاج، في حديث لوكالة الأناضول، الصفقة بمثابة مهددٍ كبير يمكن أن يجمع الفرقاء الفلسطينيين؛ وإزاء ذلك باتت المصالحة ضرورة مُلحّة كأحد أهم سُبُل مواجهة الصفقة.
وأكد أن ما صدر من إشارات لدى حركتي فتح وحماس، في ردود فعلهما على إعلان الصفقة، يحمل روحاً إيجابية في اتجاه المصالحة الداخلية.
وهاتف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، مساء الثلاثاء، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لبحث سبل مواجهة صفقة القرن، وفق تصريح أصدرته حركة حماس.
وثمّن عباس مبادرة هنية، وأكد الطرفان على ضرورة العمل المشترك، واستمرار التنسيق والتواصل من أجل إفشال الصفقة.
ويستعد وفدٌ من حركة “فتح” ومنظمة التحرير، لزيارة قطاع غزة، هذا الأسبوع؛ للتباحث مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي، حول صفقة القرن والمصالحة الفلسطينية، حسبما جاء على لسان حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح.
**الأولوية للتوافق
من جهته، أكد حسن عبده، الكاتب والمحلل السياسي أن الأولوية حالياً ليست للخوض في جلسات مصالحة بين “طرفي الانقسام”، وإنما للتوافق الوطني نحو بناء استراتيجية لإفشال خطة صفقة القرن.
وفي حديث لوكالة الأناضول، رأى عبده أن بيئة جديدة نشأت نتجت عن وحدة الموقف الفلسطيني في رفض صفقة ترامب، داعياً إلى استثمارها في اتجاه مزيد من التوافقات الداخلية.
واعتبر أن موقف السلطة الرافض لصفقة القرن مُشجّع، وساهم في توحيد الموقف الفلسطيني، وهذا أمر مهم يجب البناء عليه.
ولفت إلى أن قضايا المصالحة التفصيلية تُمثل عوائق جدية أمام تحقيق التوافق؛ لذلك يجب عدم الخوض تفاصيلها، حتى لا نعود إلى مربع الفشل الأول.
**عقبات كبيرة
وفي المقابل، رأى الكاتب سعيد الحاج أن هناك الكثير من العقبات الأساسية التي يمكن أن تحول دون تحقيق مصالحة حقيقية، في ظل الخلافات كبيرة، والفجوة الواسعة بين البرنامجين اللذين يحملهما كلّ من فتح وحماس.
ولفت إلى أن أي مصالحة تتطلب أن تجلب أحد الطرفين لبرنامج الآخر أو أن يلتقيا في وسط الطريق على برنامج سياسي، إلا أن الطرفين ما زالا غير جاهزين، ولم تصدر عنهما أي إشارات عملية بهذا الاتجاه.
**أوسلو أساس المشكلة
ومن جهة أخرى، حمّل عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية مسؤولية الحال التي وصلت إليها القضية الفلسطينية إلى توقيع اتفاق أوسلو (بين منظمة التحرير وإسرائيل عام 1993).
وقال قاسم، لوكالة الأناضول، إن اتفاق أوسلو هو أساس الخلافات الداخلية الفلسطينية، وهو سبب كل المشكلات الوطنية منذ أكثر من ربع قرن، والذي أدى إلى وصول نهج المفاوضات إلى طريق مسدود.
وربط إنجاز المصالحة بمدى استعداد السلطة الفلسطينية للتحلل من “أوسلو”، وقال “إن فعلت السلطة ذلك فإن المصالحة ستتم، وإن لم تفعل فالأمور ستبقى تراوح مكانها.
وعبّر عن أمله في أن تكون النوايا والمساعي نحو إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة هذه المرة، جدّية وحقيقية، مُحذّراً في الوقت نفسه من الإفراط في التفاؤل، نتيجة التجارب الفاشلة سابقاً.
**ما المطلوب عملياً؟
وحول المطلوب عملياً، لاستثمار البيئة السياسية الجديدة، أكد المحلل حسن عبده أن وحدة الميدان هي التي ستقود إلى الوحدة السياسية وإنهاء الانقسام.
ودعا إلى التوافق على استراتيجية موحدة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، والمخاطر والتحديات المُحدقة بالقضية الفلسطينية، ومشاركة الكل الوطني في الفعاليات الشعبية والميدانية الساعية لإفشال الصفقة.
كما أوضح الكاتب سعيد الحاج أن المطلوب هو تحقيق المصالحة على قاعدة الالتقاء على برنامج وطني جامع للكل الفلسطيني، بكل مكوناته؛ ليتخندق في مواجهة الصفقة.
وأشار إلى ضرورة مراجعة المسار السياسي السابق طوال العقود الماضية، داعياً السلطة وحركة فتح تحديداً إلى مراجعة مسار التفاوض، باعتباره أحد المدخلات التي أوصلت القضية الفلسطينية إلى صفقة القرن.
وتابع “دون مراجعات حقيقية، وإعلان وفاة اتفاق أوسلو بشكل كامل، ووقف الالتزامات الفلسطينية تجاه الطرف الإسرائيلي، وفي مقدمتها التنسيق الأمني، فمن الصعب على الفلسطينيين مواجهة صفقة القرن.
**انتفاضة شعبية
وبيّن الحاج أن أهم المسارات التي يجب خوضها: إعلان انتفاضة شعبية، وحالة عصيان عام ضد الاحتلال، تشترك فيه كل القوى الفلسطينية بلا استثناء.
ورأى أن الفلسطينيين قادرون، بذلك، على إرباك الحسابات الإسرائيلية، خصوصاً في الضفة الغربية المحتلة، مما يُعقد من تحقيق صفقة القرن ميدانياً وعملياً.
وأضاف “يتطلب ذلك السعي لتحشيد الدعم العربي والإسلامي والدولي، لمناصرة الحق الفلسطيني، والتواصل مع جميع الأطراف الداعمة والمناصرة للقضية الفلسطينية.
توقع عبد الستار قاسم بأن تمارس كلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل مزيداً من الضغوط على السلطة الفلسطينية نحو القبول بصفقة القرن، لاسيما في القضايا المالية والمساعدات، لاعتقادهما بأن السلطة يُمكن أن تستجيب في هذا الجانب.
واعتبر أن السلطة في خطر حقيقي في حال أصرت على رفض التجاوب مع الصفقة، داعياً إياها إلى الإسراع في إلى خُطط بديلة، وبرامج سياسي حقيقي لمواجهة التحديات القائمة، وفي مقدمتها صفقة القرن.