ليست محاولة القوى الامنية فتح الطرق في وسط العاصمة قبل ظهر أمس، مجرد تدبير عملاني ميداني هدفه تسهيل حركة المرور في بيروت، مع ان وزير الداخلية محمد فهمي وضعها في هذا الاطار في بيان اصدره مساء.
فالخطوة في شكلها وتوقيتها، انما تحمل دلالات كبيرة، سياسية الطابَع قبل اي اعتبار آخر. بحسب ما تقول مصادر سيادية لـ”المركزية”، يبدو ان السلطة السياسية، المتمثلة بحكومة اللون الواحد برئاسة حسان دياب، اتخذت قرارا باعادة الحياة الى طبيعتها في البلاد، على الصعد كافة، بمعنى ان العمل المؤسساتي والنشاط السياسي يجب ان ينطلقا من جديد بسلاسة وانسيابية business as usual، تماما كحركة المواطنين اليومية. ولتحقيق ذلك، لا بد من طيّ صفحة الاعتصامات والتحركات الشعبية والتظاهرات المطلبية والمسيرات التي طبعت يوميات لبنان منذ 17 تشرين، والتي نجحت مرات عدة خلال الاشهر الماضية، في عرقلة مخططات السلطة وخربطة مشاريعها، كما حصل مثلا في جلساتٍ لمجلس النواب اضطر الرئيس نبيه بري الى ارجائها مرتين تحت ضغط الشارع.
رفع العوائق التي كانت موضوعة في محيط مخيم الثوار في ساحة الشهداء، يأتي في هذا السياق، تضيف المصادر. فالمطلوب على ما يبدو، التخلّص من كل المظاهر “المزعجة” للسلطة والتي تذكّر بوجود انتفاضة في لبنان. الحكومة جسّت النبض امس في قلب بيروت، فكان اللبنانيون المنتفضون لها في المرصاد وقد تداعوا الى التجمع في وسط بيروت وتصدّوا لمحاولة القوى الامنية، ومن خلفها التحالف الحاكم، اعادة السير الى طبيعته فيه. فلو لم يكونوا جاهزين، تتابع المصادر، فالطرق كانت لتُفتح من جديد، وربما كانت لتستكمل بازالة الخيم من ساحة الشهداء وطرابلس وبعلبك والنبطية… علما ان القوى الامنية التي كانت تنتشر في محيط موقع الاعتصام في قلب العاصمة، تركت المكان في الساعات الماضية، وكأنها في ذلك، تخلّت عن مهمة حماية الثوار الذين تعرضوا مرارا وتكرارا، في هذه النقطة بالذات، لاعتداءات وغزوات “حزبية” في الاشهر الماضية.
ما حصل، تضيف المصادر، يعكس طريقة تعاط جديدة مع الثورة، ستنتهجها السلطة في قابل الايام، وهي طريقة خطيرة قد ترتد سلبا عليها. فبعد ان تحدّت الشارع وفرضت عليه حكومة لا يريدها، قبل ان تقمعه بالقوة، وتعقد جلسة اقرار الموازنة في البرلمان، يبدو انها تتجه نحو مرحلة تجاهل الانتفاضة كليا وإنكار “حقيقة” وجود ثورة في البلاد. وقرارها هذا سيتكرّس أكثر، بعد نيلها الثقة في البرلمان، عنوة عن الشعب الذي ستُواجهه الاجهزةُ الامنية والعسكرية، بقرار سياسي، فتُحبط محاولتَه منع وصول النواب الى ساحة النجمة.
وعليه، تحث المصادر السلطة على الاقلاع عن سياسة دفن رأسها في الرمال. فإدارة ظهرها للثورة وفتح الطرقات، لا يعنيان ان الثورة انتهت ولا يلغيان وجودها! اما لعبة تحدي الناس، فمن شأنها فقط صب الزيت على غضبهم، وستكون نتائجها مزيدا من المواجهات والفوضى والشغب الذي لن يتحمّل مسؤوليتها الا مَن بدأوها…