عشية انتظار أعمال الحفر والإستكشاف لأول بئرٍ بتروليٍ في لبنان، كان اللبنانيون بانتظار خطاب رئيس الجمهورية ميشال عون، خطاباً ما إن انتهى حتى اشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي لأكثر من سبب وأبعد من حجّة. والسبب الأساس كان ذكر الرئيس بأن الفضل بالتنقيب يعود إلى صهره رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، ما اعتبره كثيرون أنه تعويم لشعبية باسيل المتراجعة فيما اعتبره آخرون استفزازياً وانحيازياً ولا يعطي كل ذي حق حقه. وقبل أن تهدأ الأجواء التواصلية الإفتراضية، أشعلت تغريدة نائبة رئيس التيار الوطني الحر، المحامية ميّ خريش، مجدداً اللبنانيون بعدما عيّرت الأخيرة الوزيرة السابقة ميّ شدياق “بإعاقاتٍ جسدية نفسية”، ثم محت تغريدتها واعتذرت، فيما استُكمل تراشق الجبهات بين “القوات والتيار”. ومجدداً وقبل أن تعود وتهدأ رياح عاصفة خطاب الرئيس، غرّدت النائبة ديما جمالي مشيرة بأن وزير الطاقة ريمون غجر كان قد دعا الرئيس إلى إطلاق أعمال الحفر الثلاثاء، لكن الأخير أجّل ليوم الخميس بالرغم من علمه أن يوما التأخير سوف يكلفان الشعب اللبناني مليون دولار. فهبّت عندئذ رياح الإنتقادات على صفحات التواصل، إنما هذه المرة كانت بين “المستقبل والتيار”.
وما هي إلا ساعات قليلة حتى كان النائب بلال عبدالله يقدّم إقتراح قانون لتحويل مرج بسري إلى محمية طبيعية وبالتالي إعادة النظر ورفض مشروع سد بسري رفضاً قاطعاً بسبب الأجوبة الملتسبة حول صلاحيته البيئية والإيكولوجية حسبما جاء في تقرير مجلس الإنماء والإعمار. فعاد التشنّج ليشتعل بين مؤيدٍ ومعارضٍ ولكن بالطبع هذه المرة ما بين “الإشتراكي والتيار”. وكالعادة، أخذ مؤيدو التيار على عاتقهم مهمة الدفاع عن رئيسهم، تارةً من هذه الجهة وطوراً من تلك الجهة، وحيناً للدفاع عن مستشاري باسيل الذين توالوا في استلام وزارة “الكهرباء والسدود والنفط” وحيناً آخر لتبرير عجز الكهرباء الذي وصل إلى نصف حجم الدين العام، وحيناً ثالثاً لتعويم السدود التي عليها علامات إستفهام والتي تحمل تواقيع رئيس التيار.
فهل أخطأ رئيس الجمهورية عندما ذكر تياره في خطابه؟ هل فتح الباب لمزيدٍ من التشنجات؟
ومع تأزم العلاقات على أكثر من مستوى، كان اللافت اليوم، تغريدة رئيس الحزب الاشتراكي، وليد جنبلاط، الذي صوّب فيها على العائلة الحاكمة قائلا “جاهلوا كلمة إصلاح في البيان الوزاري كي لا يغضب الحاكم الفعلي، وبالأمس غيبوا هيئة إدارة النفط عن مشهدية الحفر ارضاء للحاكم الفعلي، والحبل على الجرّار، واضاف “كل هذا بغياب الصندوق السيادي للأجيال المقبلة. إذا من المستفيد من النفط، الله أشك الوطن أي وطن؟ العائلة الحاكمة طبعا.”
هذه الخطوة لا تنقذ العهد الفاشل
وحول مآخذ الحزب الاشتراكي على اطلاق عملية التنقيب عن النفط، أكّد عضو “اللقاء الديمقراطي” النائب بلال عبدالله، لـ “جنوبية” انه “ثمة مشكلتين، الأولى هي تبشير اللبنانيين بأن لبنان أصبح بلدا نفطيا فيما لا نزال في مرحلة التنقيب، وجميع الدراسات تقول ان احتمال العثور على النفط هو 25% وما دون، وذلك قبل التطرق الى الجدوى الاقتصادية والمدى المنظور”، وتابع ” في احسن الأحوال لبنان يبدأ باستخراج النفط في عام 2029، والعهد يحسم من الآن ان لبنان دخل منتدى الدول النفطية، في وقت اننا اليوم في مرحلة انهيار وافلاس الكامل”. أما المشكلة الثانية، بحسب عبد الله، هي “بتجيير الإنجاز لفريق سياسي معين، والتغاضي عن دور المجلس النيابي الذي وضع العديد من القوانين تتعلق بملف النفط، إضافة الى اغفال دور هيئة إدارة القطاع التي عملت ليلا نهارا علما أن انها هي من أنجزت أغلب العمل التقني والفني”. كما رأى عبد الله أنه “اليوم، اهتمامات الشعب اللبناني في مكان آخر فالشغل الشاغل للبنانيين هو لقمة عيشهم، ومصير ودائعهم المصرفية، وفرص العمل ناهيك عن فيروس كورونا، وليس النفط بعد 10 سنوات بالرغم من أهمية هذا الموضوع”. ختاما، اكد عبد الله انه “هذه الفلكلورية الشعبوية التي مورست بهذا الموضوع كانت خارج السياق العام، مشددا “هذا الخطاب وهذه الخطوة لا تنقذ العهد الفاشل”.
الرئيس القوي يقوى بشعبه وليس بتياره
الى ذلك رأت القيادية في تيار “المردة”، الدكتورة ميرنا زخريا، في حديث لـ “جنوبية” ان الخطاب الرئاسي قبل أمس، لناحية “الشكل”، يعكس سلسلة من أربع ملاحظات مترابطة، فأولاً، قلق فخامة الرئيس على صورة التيار في الذاكرة وشعوره بضرورة مد يد المساعدة، ثانياً، انتماء فخامة الرئيس إلى التيار وصعوبة في التموضع على مسافة واحدة من الجميع وثالثاً، تعزيز الانقسام بين موالٍ لولاية فخامة الرئيس ومعارضٍ لها ما ينسف دوره الجامع. اما رابعاً، الاستسهال بتحويل خطابٍ وطني إلى خطابٍ فئوي ما يعكس انحياز فخامة الرئيس”. وأشارت زخريا “أن أهمية هذه الملاحظات هو أنها من جهة تتخطى خطاب البارحة الرئاسي وعملية اختصار مسيرة ملف النفط بالتيار الوطني الحر لا غير، فيما من جهة مقابلة تحاكي ملف اختيار الرؤساء في المستقبل”. إذ لناحية “المضمون” من الخطاب الرئاسي، قالت زخريان انه “يحتّم علينا إعادة النظر في مَن يكون فعلياً “الرئيس القوي”؟ ذلك أن التجربة اللبنانية أثبتت أن رئيس الجمهورية الذي يستمد قوّته من تياره بشكل خاص وليس من شعبه بشكل عام، تراه يحرص لاحقاً على تحصين تياره على حساب تحصين شعبه، إذ أن دعم تيار الرئيس يؤدي حُكماً إلى تقوية تيار الرئيس فيما دعم الشعب يحتمل إمكانية تراجع تيار الرئيس، وهنا تحديداً مكامن ضعف ميشال عون”. وختاما شددت زخريا “يجب إعادة النظر بمعادلة الرئيس القوي، سيّما بعد التهليل لاستخراج النفط على ضوء الشمعة”.
جنوبية