كتب اندريه قصاص في ” لبنان – ٢٤ ” لمن لا يزال يعتقد أن حكومة حسّان دياب ليست حكومة “حزب الله“، شكلًا ومضمونًا، نضع بين أيديه كلام السيد حسن نصرالله، الذي لولاه لكانت الحكومة تعدّ ايامها الأخيرة بعد الإنذار الشديد اللهجة، الذي وجهه إليها الرئيس نبيه بري.
فقد أطلّ السيد نصرالله، منذ يومين، في التوقيت الحكومي الصحيح، وقبل تقديم ساعة رحيلها، وقال بصريح العبارة، للأقربين بلغة دبلوماسية، وللأبعدين بلغة متشدّدة، إن هذه الحكومة هي حكومة “حزب الله“، وعلى رأس السطح، وأن من يحاول النيل منها، بطريقة أو بأخرى، فليعتبر نفسه في مواجهة الحزب بالمباشر.
وفي رأي أكثر من جهة سياسية أن إطلالات نصرالله ستكون “غب الطلب”، بحيث يأتي توقيتها وفق الظروف ووفق ما تتعرّض له الحكومة من هجمات، وبالأخصّ “من أهل البيت”، بإعتبار أن الهجوم الذي تشنّه قوى المعارضة يمكن “بلعه”، لأن ذلك يُعتبر من “عدّة الشغل”، التي تمتلكها المعارضة. أما أن تأتيها السهام من الداخل فهذا ما لا يقبل به الحزب ولن يسكت عنه، وسيجد نفسه مضطرًّا للتدخل ولوضع حدّ لبعض “الطموحات الصغيرة” لدى البعض، الذي لا يزال يعتبر أنه يستطيع أن يمون على قرار حارة حريك، سواء بالكبيرة والصغيرة، وذلك إنطلاقًا من حاجة الحزب إليه، سواء داخل الحكومة أو خارجها.
وفي إعتبارات “حزب الله” أن لكل عقدّة حلًا، ولكل مكّون من مكونات 8 آذار طريقة للتفاهم معه، تمامًا كما تعامل مع من إنتقد من الداخل سكوته على قضية “تهريب” العميل عامر الفاخوري، حيث أبلغ السيد حسن من يعنيهم الأمر الرسائل المشّفرة، من دون أن يضطرّ إلى تسمية الأشياء بأسمائها، إذ أن “اللبيب من الإشارة يفهم“.
وفي رأي بعض الجهات التي هي على نقيض من طروحات “حزب الله” أن لدى الحزب في الوقت الراهن، كما هو واضح، سلسلة أولويات، من بينها ما هو آني، ومنها ما هو إستراتيجي وبعيد المدى، وإن كانت له إرتباطات بما يحصل حاليًا على الساحة اللبنانية.
ويأتي في رأس قائمة الأولويات في المرحلة الراهنة الوضع الحكومي والعمل، قدر المستطاع، لإبعاد كأس سقوطها من الداخل قبل أن تسقط بفعل عوامل خارجية. ولذلك، فإن “حزب الله” سيضع كل ثقله وكل رصيده من أجل تقوية عصب الحكومة والحؤول دون وقوعها، وإن تراخى عصبها بعض الشيء، وهو بالتالي مستعد ليفعل المستحيل من أجل أن تبقى واقفة على رجليها، حتى ولو كانت حركتها من دون بركة، لكنه يفضّل أي حكومة على الفراغ.
وثاني الأولويات، وهو يحرص عليها كثيرًا، هي في شدّ عصب البيئة الحاضنة لـ”حزب الله“، وتشديده على عدم المسّ بثقة هذه البيئة بالحزب، وبما يتخذه من خطوات، وهو عانى في الفترة الأخيرة من نقص في منسوب هذه الثقة. ويُرجع ذلك إلى المحاولات المتكررة التي يقوم بها أعداء الحزب، من داخل لبنان أو من خارج الحدود، والتي تهدف إلى زعزعة هذه الثقة القائمة بين الحزب وجمهوره.
أما ثالث الأولويات فهي الهمّ الإقتصادي والمالي، وقد أعطى السيد حسن بعض المؤشرات في كلامه الأخير عندما تحدّث عن الستة ملايين دولار، التي قدمتها المصارف من ضمن التبرعات لدعم الجسم الطبي في مواجهة الـ”كورونا”، وتلميحه إلى خطوات مستقبلية، لا يستبعد البعض أن تكون تستهدف القطاع المصرفي وتغيير وجهته في المستقبل، على غرار ما هو معمول به في الدول، التي لا تعتمد النظام الرأسمالي الحر القائم على المبادرات الفردية.