تحمل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دمشق ولقائه نظيره السوري بشار الأسد رمزية كبيرة، بل تؤسس لتغيرات ستطال المشهد الإقليمي برمته، لا سيما أنّها تأتي بعد مرور عامين على آخر زيارة له إلى سوريا وقبل توجهه إلى تركيا، حيث سيشارك في افتتاح خط أنابيب “السيل التركي” إلى جانب نظيره التركي رجب طيب أردوغان.
في تقرير لها، لفتت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية إلى أنّ زيارة بوتين لسوريا، وهي الثانية له منذ اندلاع الحرب السورية قبل 9 أعوام، تدل إلى أنّه “غير متأثّر بالتوترات الإيرانية”، في إشارة إلى الغارة الأميركية التي أدت إلى اغتيال قائد فيلق القدس في “الحرس الثوري” الإيراني، اللواء قاسم سليماني. وشدّدت الوكالة على أنّ توقيت الزيارة “هام”، موضحةً أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها يقيّمون ضرر الرد الإيراني على اغتيال سليماني وأنّ الأسواق متوترة وأنّ الغموض يحيط بمسألة الوجود الأميركي في العراق.
في تعليقه، قال المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الخارجية، أندريه كورتونوف: “هذه إشارة واضحة إلى الحلفاء والخصوم. وتفيد (الإشارة) أنّه عندما ينخفض مستوى الاستقرار ويزيد الخطر، وعندما تنشأ حالة من الغموض، تؤكد روسيا أنّ وجودها في الشرق الأوسط ثابت، على عكس الولايات المتحدة”، مضيفاً: “مواجهة لمواقف دونالد ترامب المتقلّبة، يصبح الثبات الروسي مفيداً”.
في السياق نفسه، لفت المحلل في موقع “المونيتور”، ماكسيم سوخوف، إلى أنّ بوتين سيبحث مع أردوغان الوضع في إدلب وشرق الفرات وليبيا، حيث يقاتل المرتزقة الروس والجنود الأتراك في صفوف المعكسريْن المتناحرين (يحظى المشير خليفة حفتر بدعم روسي في وجه رئيس حكومة الوفاق المعترف بها دولياً فائز السراج). وبيّن سوخوف أنّ بوتين التزم الصمت إزاء التصعيد الإقليمي على مدى أسبوع، مضيفاً: “ويبدو الآن أنّه اقتنص الفرصة عبر تهيئة الأجواء لتأكيد دور موسكو كوسيط أساسي وحافظ للأمن في المنطقة”. وألمح سوخوف إلى أنّ أنّ الديبلوماسية المكوكية “البوتينية” بين تركيا وسوريا قد تكشف عن نتائجها اليوم عندما يصل بوتين إلى اسطنبول، قائلاً: “في حين يُعد التشاور مع دمشق قبل أي تواصل مع أعداء الأسد – سواء أكان أردوغان أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- أحد معايير الديبلوماسية الروسية، قد يدل قيام بوتين شخصياً بذلك هذه المرة إلى أنّ موسكو تحمل مبادرة هامة وتبدي جدية بشأن ترجمتها عملياً”.
وتابع سوخوف قائلاً إنّ زيارة بوتين “قد تعطي الأسد تطمينات ضرورية وترمي إلى تعزيز مواقع روسيا في سوريا في المناطق التي تحظى بأهمية استراتيجية بالنسبة إلى موسكو“. بدوره، قال المحلل السياسي، أركادي دوبنوف: “في الواقع، تلقت موسكو نبأ تصفية سليماني بغيرة وخشية”، مضيفاً: “وبرضا، نظراً إلى أنّ تحييد الرجل الثاني في القيادة الإيرانية يضعف مواقع طهران الإقليمية على حساب تعزيز مواقع موسكو“. وربط المحلل الغيرة الروسية بكون “البيت الأبيض قد كشف عن الجهة الرئيسية التي تضع أسس النظام العالمي اليوم”، مبيناً أنّ سبب الخشية الروسية تدل إلى أنّ “العملية الأميركية كانت فاعلة وموجهة ورشيقة”.
توازياً، رأى المحلل ليونيد بيرشيدسكي أنّ بوتين “عاجز عن استبعاد احتمال اندلاع حرب مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران“، قائلاً: “في ظل وضع مماثل، سيكون بوتين بحاجة إلى استبدال محور المقاومة في سوريا – بل تسوية من شأنها أن تجعل مسألة إرسال أعداد إضافية من الجنود الروس غير ضرورية بالنسبة إليه، على أن تغيير النظام بما يرضي الولايات المتحدة، وبالتالي السماح لروسيا بالحفاظ على قواعدها العسكرية”.
واعتبر بيرشيدسكي أنّ خيارات بوتين المتعلقة بإتمام تسوية مماثلة محصورة حالياً بالعمل مع تركيا، “اللاعب القوي الآخر في المنطقة الذي لا يُعدّ حليفاً أميركياً ثابتاً”. وعليه، أكّد بيرشيدسكي أنّ أردوغان يمثّل خطة بوتين الممكنة الوحيدة، مستدركاً بأنّ هذه الخطة لا تبشر بالخير بالنسبة إلى الأسد، إذ قال: “يفضّل الرئيس التركي رحيله (الأسد)، وفي حال توقف الدعم الإيراني، يُرجح أن يسعى بوتين إلى تسوية مع أردوغان بدلاً من مواصلة دعم الأسد”. وخلص بيرشيدسكي ملمحاً إلى أنّ الأسد “يصلي بحرارة كي لا يقدم الإيرانيون على فعل متهوّر”.
“لبنان 24” – Bloomberg – Al-Monitor