المشهور والمعروف عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن كان قوي الشخصية جدًا، ورجل (شديد التعامل) مع الناس، لكن من يقرأ عبقرية عمر، للعبقري الراحل عباس محمود العقاد سيرصد ملامح شخصية الفاروق، في ضوء: “الشخصية الظاهرة والشخصية الباطنة”.
من يقرأ هذا الكتاب سيجد أن الشائع هو أن الفاروق كان قوي الشكيمة أو بتعبير العامية “راجل جامد”.. لكن هذا غير صحيح، فالرجل رضي الله عنه كان في منتهى الرقة وقلبه كان مثل “أفئدة الطير”.. لكنه كان انفعالي نوعًا ما.. يعني مثلا مشهد إسلامه بعد ما صفع أخته فرأى دمها يسيل دليل على الرقة أكثر من القسوة.. بدليل أنه استجاب لطلبها بأن يتطهر ويتوضأ قبل أن يقرأ كتاب الله.. ومن ثم في هذه الحالة الشعورية ينطق الشهادتين.
رقة قلب عمر
هناك دلائل كثيرة على رقة قلب سيدنا عمر.. منها أنه سمع شاعرًا يردد أبيات رثاء فبكى لأنه تذكر ٱخاه الذي استشهد في حروب الردة وذلك بعد أكثر من عشر سنوات على الحدث.. فضلا عن أن هناك روايات عديدة تتحدث عن إطعام الأيتام مثلا، أو بحثه عن المحتاج ليساعده.
ولعل من أبرز الروايات التي تؤكد رقة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، هو حواره مع المرأة المسيحية التي جاءته تطلب سداد دينها عنها وهي بلا زوج أو ولد، فطلب منها الدخول الإسلام إلا أنها أبت، فلام عمر نفسه من أن تحسبه المرأة يساومها على الإسلام مقابل سداد ديونها فعاد إليها وهو خليفة المسلمين ليعتذر منها ويطلب منها العفو عما بدر منه ويوافق على سداد دينها من بيت مال المسلمين.
وهذه المرأة التي سمع بكاء وليدها، فلما اقترب وسألها ما يبكيه، وعرف أنه بسبب الجوع، ذهب مسرعًا لبيت مال المسلمين، وأحضر لها كل ما تحتاجه من طعام، وظل يلوم نفسه أنه لا يعلم عن خالها شيئًا.. هكذا كان قلبه رقيقًا لا يتحمل أن يلتقي ربه وهو عليه دين لأحد.
وثيقة في قبره
دأب عمر بن الخطاب على أن يلقى ربه وليس عليه دين لأحد أو مظلمة، ومن ذلك، أنه التقى يومًا امرأة تدعو عليه، وهي لا تعلم أنه هو، فلم يزل حتى دفع ثمن مظلمتها فيه، بقيمة 25 درينارًا، ووقع على الوثيقة كل من علي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما، ثم طلب من سيدنا علي أن ترافقه المظلمة في قبره ليلقى بها الله تعالى.
وروى طلحة بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب خرج ليلة في سواد الليل فتبعته فدخل بيتًا، فلما أصبحت ذهبت إلى ذلك البيت فإذا عجوز عمياء مقعدة، فقلت لها ما بال هذا الرجل يأتيكِ فقالت إنه يتعاهدني مدة كذا وكذا يأتيني بما يصلحني ويخرج عنى الأذى (أي الأوساخ) فقلت لنفسي ثكلتك أمك يا طلحة أعثرات عمر تتبع.. هكذا كان الشديد القوي عمر بن الخطاب أرق الناس ورحمة بالناس.