الاعتراضات التي صدرت عن كل من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على اقتراح الاقتطاع من أموال المودعين، بدت أبعد من الموقف حيال الـ”هيركات” كإجراء مالي تقني، وتتعداه إلى مقاربة عناوين خلاف سياسية. فالحريري حذّر من أن “فترة السماح للحكومة ومن يقف خلفها لا تعني تغيير طبيعة نظامنا الاقتصادي المصان بالدستور”، وجنبلاط ربط خطوة كهذه بـ”خط سياسي هدفه إلغاء أي اعتراض ومحاولة تطويع طائفي ومذهبي باتجاه للإطاحة باتفاق الطائف”، فيما رأى جعجع أن الـ”هيركات شرير”، مشيراً إلى “الثلاثي المرح” بأنه يحول دون الإصلاح، قاصداً بذلك فريق الرئيس ميشال عون والثنائي الشيعي.
لكن ماذا قصد جنبلاط من وراء تغريدته التي هاجم فيها اقتراح برنامج الحكومة الإصلاحي الاقتطاع من الودائع المصرفية، وربط الأمر بـ”الإطاحة بالطائف والسيطرة المطلقة على مقدرات البلد”؟
رداً على سؤال لـ”نداء الوطن” يقول جنبلاط: “أنا أحكي بالسياسة. فمنذ جاءت الحكومة التي رأسها الرئيس سعد الحريري مع بداية العهد جاء الوزراء الناجحون العظماء، راح الطائف بعدما أخذوا يخلقون أعرافاً جديدة حول الصلاحيات وتعديلها بالممارسة. هذا فضلاً عن أنهم يواصلون سياسة تركيب تحالف الأقليات وطموحهم تغيير التوازنات في البلد”.
وحين يسأل: أليس لحكومة الرئيس حسان دياب التي تضم تكنوقراطاًَ ومستقلين، نهج آخر؟ يجيب: “إنه موظف عند أحد الضباط السابقين في المخابرات وعند جبران باسيل، وهو حقود”.
ويستريب جنبلاط من برنامج الحكومة الإصلاحي، وإعادة هيكلة الدين وكذلك إعادة هيكلة المصارف والمصرف المركزي… ويرى أنهم “يريدون السيطرة على المصرف المركزي والمصارف ويتهمون الآخرين بالأموال المنهوبة، متناسين أنهم جاءوا إلى البلد منذ العام 2005 وبدأوا يمارسون دورهم في السلطة، ويوجهون الاتهام إلى فريقنا. وإذا كنا نحن في الحكومة منذ 30 سنة، فهناك 15 سنة كانوا خلالها شركاء في المجلس النيابي والحكومة، فماذا عنها؟ استلموا على سبيل المثال ملف الكهرباء ووزارة الطاقة وما زلنا حتى اليوم نعاني من عدم معالجته، فنصف الدين تقريباً من الكهرباء”. وفي وقت تقول أوساط جنبلاط إنه على تفاهم مع زعيم تيار “المستقبل” في الموقف من النهج المتبع، لدى رئيس “الاشتراكي” اقتناع بأننا “ذاهبون إلى نظام شبه شمولي جراء إجراءات مثل تأميم المصارف عبر صيغة الاقتطاع من ودائع الناس. ويذكرني ذلك بانقلاب البعث في الستينات حين جرى تأميم المصارف والشركات ورأينا إلى أين وصلت سوريا بعدها. كما يذكرني ذلك بخطوات الرئيس جمال عبد الناصر في أواسط الخمسينات حين قام بتأميم المصارف ومصادرة الملكيات الخاصة وشاهدنا ماذا حل بمصر اقتصادياً”. ويعتبر جنبلاط أن عدم طلب مساعدة صندوق النقد الدولي مؤشر إلى السياسة الاقتصادية غير المقبولة، “ولا أرى اتجاهاً لديهم للتفاوض مع صندوق النقد، حتى في ما يتعلق بالمساعدات المعنية بالوضع الاجتماعي المتردي. أما مساعدة الـ400 ألف ليرة لبنانية للفئات المحتاجة، التي يتحدثون عنها، فهي ضحك على الناس”.
وكان جنبلاط انتقد “حكومة اللون الواحد على مصادرة أموال الناس وتصنيفهم ومحاكمتهم وفق معايير غير قانونية وغير دستورية… للإطاحة بالطائف والسيطرة المطلقة على مقدرات البلد لضرب ما تبقى من سيادة أصلاً وهمية وشكلية”.
وتقول مصادر قيادية في “الاشتراكي” لـ”نداء الوطن” إن “تحرك قيادته جاء بناء على قراءة مستندة إلى معطيات بأن رجال العهد وبعض من يخضعون له في الحكومة يسعون إلى وضع اليد على القطاع المصرفي والمصارف، وفق طموحاتهم المعروفة عن طريق مصادرة القرار في هذا القطاع ثم إعادة تركيبه، بعد أن استطاعوا إحكام القبضة منذ 3 سنوات على التعيينات في السلك الديبلوماسي والقضاء ومفاصل مهمة في الإدارة، وفي أجهزة أمنية وفي قطاع التعليم…”. أضافت المصادر: “يريدون التحكم بالقرار المصرفي وبالشركات، وفي الطريق يريدون من وراء الاقتطاع من أموال المودعين في المصارف توجيه الأنظار ونقمة أصحاب حسابات المدخرات على هذا الإجراء، ضد الجهات السياسية التي كانت في السلطة معهم والتي لم يتوقفوا عن اتهامها بأنها وراء سياسات الثلاثين سنة الماضية الخاطئة التي أوصلت البلد إلى أزمته، من أجل تطويع هذه الجهات، مبرئين أنفسهم من كل ما تسببوا به من تعطيل وهدر ساهما في إيصال البلد إلى حالته الراهنة”. وتشير هذه المصادر القيادية إلى أن في أروقة الدائرة الضيقة في القصر الرئاسي هناك حديث عن “أننا سنضع رياض سلامة في السجن، وسنقتص من جنبلاط وما قام به في قبرشمون، (حين منع أنصاره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من زيارة قرى في الجبل..) تحت عنوان استعادة الأموال المنهوبة”.
ورداً على سؤال عن مصلحة العهد في اقتطاع أموال المودعين الذي يشمل كل الطوائف والمسيحيون منهم، إذا كان الهدف سياسياً، وسط معلومات بأن الرئيس عون يرفض هذا الاقتراح، قالت المصادر القيادية في “الاشتراكي” إن الفريق الذي يفكر بالطريقة الكيدية والعبثية لم يأخذ في أي مرة مصالح المسيحيين في الاعتبار منذ العام تسعين إلى اليوم في خطواته كافة. وإذا كان اقتراح الاقتطاع من الودائع طُرح من زاوية تقنية من قبل شركة “لازارد” فإن تحويله لأغراض سياسية لتصفية الحسابات، أدى إلى ضجة ضده من رجال أعمال مسيحيين مقربين، نبهوا من آثار هذا التدبير على الدور المسيحي التاريخي في القطاع المصرفي، فبدأ يتراجع عنها منذ نهاية الأسبوع الماضي. وفي الاتصالات التي جرت للتنبيه من خطورته جرى التحذير أيضاً من أثر ذلك على المودعين المغتربين في أفريقيا من الشيعة، ومبالغهم بعشرات المليارات في المصارف اللبنانية، جنوها خلال عقود، الأمر الذي جعل رئيس البرلمان نبيه بري يرفضها بالكامل، منذ مطلع الأسبوع الماضي، حيث أن وزير المال غازي وزني شدد على أنها لم تبحث في مجلس الوزراء، وأنه ليس من اقترحها.
وأوضحت المصادر أن أحد الوزراء الذين يتولون التنسيق بين رجالات العهد ودياب كان أقنع الأخير بالخطوة، لكن الرفض الواسع لها أدى إلى توالي عملية التنصل منها بحيث باتت فكرة لقيطة. فضلاً عن أن الوزير وزني تغيب عن اجتماع مالي كان مقرراً في السراي الحكومي في إشارة إلى رفض وزير المال تبني رئيس الحكومة لها.