عندما قرّر الدكتور حسّان دياب أن يشمّر عن ساعديه ويدخل في ورشة إعادة البناء كان يعتقد أن الدخول إلى نادي رؤساء الحكومات أسهل بكثير مما كان يظن، وهو الذي حاول الوقوف في وجه من كان وراء تسميته لتشكيل الحكومة فأتاه الردّ سريعًا من القصر الجمهوري، وخلاصته أن الشرط على الحقلة ولا “خناقة” على البيدر، وبعد أخذ وردّ قرر الحالم بلقب “الدولة” أن يلعب لعبة الكبار، وأنتظم في أصول هذه اللعبة وسجّل نقاطًا تراجعية كثيرة، ومن بينها أنه يرفض أن تسمّي الأحزابُ الوزراءَ التكنوقراط، وسلّم بألاّ يتولى دميانوس قطار وزارة الخارجية.
قَبِل حسًان دياب بكل ما عُرض عليه، ولم ينتفض عندما أتهمه البعض بأنه يساير “حزب الله” على حساب رصيده كرئيس لحكومة، كان يُفترض أن تكون لكل لبنان، ولم يعارض أن تُدرج خطة الوزير جبران باسيل الكهربائية، كما هي، في البيان الوزاري، ولم يدر أذنه لمطالب الشعب، الذي رفض إعطاءه ثقة الشارع المنتفض.
قَبِل حسّان دياب بكل هذا من أجل أن يدخل إلى جنّة الحكم من بوابة السراي الحكومي، وهو الذي كان يُفترض به أن يعرف أن في هذه الجنة لا لبن ولا عسل، بل كان من المفروض عليه أن يتوقّع الأسوأ، وأن يدرك أن السجاد الأحمر الذي فُرش له عندما دخل السراي بصفته رئيس حكومة لن يبقى هكذا، وأن “مواجهة التحديات” ستكون أصعب بكثير مما تصّوره، وأن يستوعب أن الأفرقاء الذين لم يسموه ولم يمنحوه الثقة لن يهادنوه ولن يسّهلوا له المهمة وسيكونون له في المرصاد، وسيكونون في إنتظاره عند المفارق الصعبة، حيث تكثر المنزلقات.
لم يكن اللبنانيون ينتظرون من هذه الحكومة أن تجترح الأعاجيب، وأن تاتيهم بالمنّ والسلوى وبالترياق الشافي، لكنهم لم ينتظروا من رئيسها أن يقول كلامًا لم يسبق أن سمعوه من أي مسؤول آخر، عندما قال إن “الدولة لم تعد قادرة على حماية اللبنانيين وتأمين الحياة الكريمة لهم، وهم فقدوا ثقتهم بها”، وهو بذلك يكون قد نعى أي إمكانية للحل، ورمى سلاحه حتى قبل أن تبدأ المعركة.
فإذا لم تكن هذه الدولة الممثلة بهذه الحكومة غير قادرة على حماية اللبنانيين فما هو مبرّر وجودها، وما نفع أن يبقى حسّان دياب على رأس حكومة غير قادرة وعاجزة ومشلولة وغير مؤهلة لحماية أبنائها، تمامًا كالأم التي تترك أولادها فريسة سهلة أمام من يحاول الإعتداء عليهم، وتقرّر أن تدفن رأسها في الرمال مخافة أن ترى أفلاذ الأكباد يُنهشون من كل حدب وصوب.
لم يسبق أن سمع اللبنانيون من أي مسؤول، وفي أحلك الظروف، كلامًا مشابهًا لكلام حسّان دياب، الذي حاول في سياق حديثه المكتوب أن يستدرك الخطأ الذي إرتكبه، ولكنه لم ينجح في ذلك، إذ لم يعلق في إذهان اللبنانيين سوى جملة غير مفيدة واحدة لا غير، وهو بذلك يكون قد حكم على نفسه بالفشل قبل أوانه وفي بداية الطريق، التي نسلّم معه بأنها غير مفروشة بالورد والرياحين.
فحسّان دياب الآتي من عالم آخر غير العالم السياسي، وهو الأكاديمي بإمتياز، لم يستطع أن يصمد طويلًا أمام الأعاصير والأزمات الكبيرة، لأن روما من فوق غير ما هي عليه من تحت.
فحسّان دياب الآتي من عالم آخر غير العالم السياسي، وهو الأكاديمي بإمتياز، لم يستطع أن يصمد طويلًا أمام الأعاصير والأزمات الكبيرة، لأن روما من فوق غير ما هي عليه من تحت.