Canada - كنداTop Slider

كنديون و مقيمون يتحدثون عن إستشهاد واختفاء أشقائهم في غزة (الجزء الثاني)

تستمر آلة القتل الصهيونية في حصد أرواح المدينين و إرتفع عدد الشهداء الذين سقطوا جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر إلى 41 ألفا و 226 شهيدا و 95 ألفا و 413 مصابا. (هذه أحدث البيانات الصادرة عن وزارة الصحة في غزة)..

كنديون و مقيمون يتحدثون عن إستشهاد واختفاء أشقائهم في غزة 

نشر موقع صدى اونلاين مقابلة مع كنديين و مقيمين من أصول فلسطينية بغرض تسليط الضوء على الغزيين الذين ينتظرون القدوم إلى كندا، لكن تؤخّرهم آلة الهجرة الكندية من الإلتحاق باحبتهم كما أن الكثير منهم استشهدوا بعد أن حصلوا على الموافقة المبدئية.

الشهيد رزق محمد حجّاج (الجزء الثاني)

الشهيد رزق محمد حجّاج مع والدته

تقول رواند المبيّض حجّاج أخي الشهيد رزق محمد حجّاج درس محاسبة، وكان يعمل في هيئة التأمين الصحي في وزارة الصحة، ليس فقط في عمله بالمحاسبة، بل كان مسؤولًا عن معاملات إخراج المرضى للعلاج في الخارج عندما يتطلّب الأمر ذلك.

أبي توفي منذ 26 سنة، أخي رزق كان الكبير وهو الذي ربّانا، هو وأمي. بدأ العمل منذ صغره لإعالتنا، وكان همّه وهمّ أمي أن ندرس. أخي رزق كان أول شاب يدخل جامعة في عائلتنا الكبيرة، أقصد عائلة المبيّض كلها.

أخي أول دكتور بالعائلة، وأختي أول دكتورة، وأنا درست محاماة، لم يكن لدينا أي نشاط سياسي، كنا أيتامًا، عادة الأب هو الذي يشجّع على السياسة.

ولكن وفاة أبي وانهماك أمي وأخي بتأمين لقمة عيشنا ودراستنا جعلتنا بعيدين عن الأحزاب السياسية، والانتماءات السياسية.

انتشر آخر فترة في غزة أن يذهب الأطفال للمساجد، والمساجد تعرفين توجّه الأطفال سياسيًا وتؤثّر عليهم كثيرًا، كان يقول أخي فليحفظ أولادنا القرآن في البيت، لا أريدهم أن يحفظوه في المسجد.

كان يقول “نحن متديّنون، ويعجبني إيماننا”، فلم يكن يريد لأولاده التوجّه كثيرًا للمسجد من خوفه أن يكون لهم انتماءات سياسية أو دينية، تعرفين أنه في الأحياء الفقيرة الأولاد تتأثر سريعًا فلم يكن يقبل على الرغم من أنه لم يقطع فرضًا في مسجد، لكن فكرته هي أن هؤلاء الأطفال لا يميّزون الصح من الخطأ.

عند دوار الكويتي كانوا يوزّعون الأكل والمياه، يبعد الدوار عن بيتنا 15 دقيقة سيرًا على الأقدام. نحن نعيش في الشجاعية، ومن بداية الحرب لم يرض أخي أن ينزح. في أول اجتياح للشجاعية، اضطروا أن يخرجوا تحت الموت، صاروا ينزحون من مكان لمكان. في آخر يوم، كانت آخر أيام شهر رمضان، صلّى بالنازحين.  

أخي رزق كان يحلم بالقدوم إلى كندا، أكثر أحد من إخوتي كان يرغب بالقدوم إلى كندا، منذ 3 سنين لم أره. رزق لم يكن أخي فقط، كان أبي وهو الذي ربّاني، كان عمري 8 سنوات عندما توفيّ أبي، أنا لا أعرف أبي بقدر ما أعرف أخي رزق.

هو الذي علّمني، هو الذي أخذني إلى الجامعة في أول يوم لي، هو الذي زوّجني، هو الذي أهداني أول تلفون جوّال.

قبل أيام من استشهاده، قدّمت له طلبًا عبر “برنامج غزة” في وزارة الهجرة الكندية، وهو من أوائل الناس الذي حصلوا على الكود، اتصلت به يوم الجمعة وقلت له “أخوي وصلت ورقة التبصيم”، فرح كثيرًا، أرسلتها له، نحن ثلاثة أخوة في كندا، جمّعنا الأموال اللازمة لدخولهم لمصر عبر معبر رفح، المبلغ 5000$ للكبار و2500$ للصغار، أختي سحبت ادّخارها، وأخ زوجي أيضًا، وهكذا، نزل زوجي إلى مصرو دفع الأموال لشركة هلا المسؤولة عن عبورهم، دفعنا 80 ألف كندي، ليس فقط عنه، أيضًا عن أخي الثاني وأختي أيضًا، وعلى أساس يوم الاثنين يذهبون إلى المعبر.

في الليل، رأت زوجته في المنام أنهم في مكان فيه شجر ومياه، فقالت له “يبدو أننا سنذهب إلى كندا، رأيت في المنام أننا في مكان يشبه صور البارك التي ترسلها رواند”، فقال لها “إما كندا، أو جنات الخلد”.

يوم السبت صلّى بالنازحين، ودعا “اللهم تقبلنا من الشهداء”، أخي هو الوحيد الذي يملك سيارة من الجيران. طلب جارنا منه أن يذهبا إلى دوّار الكويتي لإحضار أخيه الذي قنّصه جنود الاحتلال وقد استشهد، فلا يستطيع حمله ويحتاج سيارة.

عندما ذهبا، مباشرة قنّصوه في رقبته، وقنّصوا جارنا أيضًا. عندي أخوان، رزق ورامز، ذهب رامز تحت الخطر في الساعة 12 ليلًا، رغم أن الجميع منعه، فلا نستطيع تحمّل خسارة أخي الثاني الوحيد، تمكّن من إحضار الجثمان. والحمدلله أقمنا له جنازة. ولكن لم  يستطيعوا أن يكملوا “طقوس الحزن”، أخي عمره 45 وعنده خمس أولاد، فقلنا بما أن عائلته حصلوا على الكود أن يخرجوا إلى مصر مباشرة. استشهد يوم السبت، تم دفنه يوم الأحد، ويوم الاثنين ذهب الجميع إلى مصر. لكن أخي رامز كان قد تأخر الكود ليصله لأنه طبيب، فاضطر للبقاء في غزة، ولكن عندما وصل الكود كان المعبر قد تم إغلاقه نهائيًا. فلا يزال في غزة.

المشكلة في برنامج غزة في وزارة الهجرة الكندية، على الرغم من أن البرنامج اسمه “خاص” و”طوارئ”، ولكن لا نرى أي استعجال بالأمر. العائلة كلها الآن في مصر، 16 شخص، منهم 13 طفل يعيشون الآن في شقة من غرفتين في مصر. زوجة أخي مصدومة، ولم تستطع توديع أخي. تواصلتُ مع مكتب مارك ميلر، وزير الهجرة الكندي، قلت له أحضر لي على الأقل عائلة الشهيد، الأم لا تستطيع الاعتناء بأولادها، مصر لا تعطيهم إقامات، فلا نستطيع تسجيلهم في مدارس، وضعهم صعب هناك. أبسط شيء أن نرسل لهم مالًا من أجل معيشتهم، فلا نستطيع تحويله على اسم أحد منهم، يجب أن يكون مصريًا أو معه إقامة، نضطر تحويلهم لشخص مصري. تأخرت الطلبات كثيرًا، وجواب مكتب ميلر “Security Check ليست بيدنا”. لا نعرف بيد من إذا لم تكن بيده.

الحمد لله نحن ثلاثة هنا، وتخيلتُ أن وجود ثلاثة قد يسرّع في عملية إحضار الباقيين. وعدت أخي رزق أنه سيأتي إلى كندا وحلفت له أنه في اليوم الأول التي يحصل فيها على الأوراق سيجدني بانتظاره في مصر. استشهد في اليوم التالي لحصوله على الكود. هذا صعب علينا كثيرًا، لكني وعدته أني سأهتم بأولاده، هو ربّاني وأنا سأربّي أولاده. ندعو الله كل يوم أن يتم فتح المعبر.

هذه الحرب دمّرت كل شيء جميل في غزة. بيتنا عمره 70 سنة دُمّر بالكامل، “راح”.  بيتنا في أقدم حي في غزة، حي عريق، كل المساجد والآثار هناك، عندما نزح وعاد إلى البيت بعد خروج الاحتلال من الشجاعية، صار يبكي، قال لي “تخيلي يا اختي أنهم رموا صواريخ في المقبرة. لا أثر لقبر أبي ولا لأي قبر. لو لم نكن نعرف أنه في هذا المكان يوجد مقبرة، لن نظن أبدًا بذلك”.  في هذه المقبرة دُفن جنود إنكليز منذ أكثر من مئة عام. جدودي وجدود جدودي دُفنوا فيها. أخبرني أنهم لم يجدوا حتى حجارة القبور. يريد اليهود أن تكون الأرض مثل صحراء، ممسوحة بالكامل.

القصص لا تنتهي، وأخي ليس الوحيد ولكن كل شخص عند أهله غالٍ. يطيّب أصدقائي خاطري، ولكن لا يمكن أن أمنع نفسي من البكاء، كان بودّي أن أراه قبل استشهاده. الحديث عنه صعب.

أختي وحيدة هناك، كانت صدمتها كبيرة جدًا، أخي كان اجتماعيًا وإنسانيًا، يخدم كل الناس، “ابعتلوا لأبو محمد بيساعدكن..” هكذا كان جميع الناس يتكلمون عنه.. أنا مهتمة أن يأتي الأولاد كثيرًا، عنده محمد عمره 16 سنة وأخوه 15 سنة وأخته 14 سنة. مصر ليست أمان، قلت لمارك أريد على الأقل أن أحضر أولاده.

أشتغل مع المؤسسات التي تُحضر مهاجرين إلى كندا، وأعرف ماذا يعني أن يأتي أحد ليس معه المستندات اللازمة للبقاء هنا، ونحن نسعى لتأمين كل المستندات لهم. الحقيقة أنهم لم يتعاطوا مع السوريين والأوكرانيين كما يتعاملون مع أهل غزة. أحد السوريين أخبرني أنه خلال شهر تمكن من القدوم من تركيا إلى كندا. قال إنه بعد أسبوعين من المقابلة أعطوه الفيزا. يعني، عندما تريد وزارة الهجرة التعجيل بالطلبات سوف يعجّلون بها، ولكن عندما لا يريدون ذلك فمهما حاولنا بلا فائدة.    

To read the article in English click this link

إقرأ أيضا : إلى المثبطين إنظروا ماذا فعل طلاب وندسور دعما لفلسطين .. صدر العدد الجديد !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى