تستمر آلة القتل الصهيونية في حصد أرواح المدينين و إرتفع عدد الشهداء الذين سقطوا جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر إلى 40 ألفا و 972 شهيدا و 94 ألفا و 761 مصابا. (هذه أحدث البيانات الصادرة عن وزارة الصحة في غزة)..
كنديون و مقيمون يتحدثون عن إستشهاد واختفاء أشقائهم في غزة
نشر موقع صدى اونلاين مقابلة مع كنديين و مقيمين من أصول فلسطينية بغرض تسليط الضوء على الغزيين الذين ينتظرون القدوم إلى كندا، لكن تؤخّرهم آلة الهجرة الكندية من الإلتحاق باحبتهم كما أن الكثير منهم استشهدوا بعد أن حصلوا على الموافقة المبدئية.
الشهيد أحمد أبو هجرس
الجزء الأول : إسلام حمدان هجرس
أخي أحمد أبو هجرس هو أصغر شاب من إخواني، استشهد بتاريخ 22-2-2024، من مواليد 1993، هو متزوج وكان عنده ابنتان وولد مريض وضعه صعب. كان من المفترض أن يأتي إلى كندا من خلال البرنامج الذي وضعته وزارة الهجرة الكندية. بعد استشهاده بأربعة أشهر، ولدت زوجته ابنة ثالثة “نور”.
نحن من مدينة بني سهيلا، وقد نزحنا إلى رفح بسبب الاجتياح الإسرائيلي للمدينة. خلال الاجتياح فقدنا أخوين لنا، آدم وممدوح، لا نعرف عنهما شيئًا. فتشنا تحت ركام المباني، تواصلنا مع الصليب الأحمر، الصليب الأحمر تواصل مع الجيش الإسرائيلي ولكن لا فائدة.
وضعنا أكثر من محامي من الداخل الفلسطيني لمتابعة قضية الاختفاء، ولكن الجيش الإسرائيلي يرفض تمامًا إعطاء أي معلومة. أخي آدم كان موظفًا في بنك فلسطين. آخر مرة تواصلنا معه كان يوم 28-11-2023. عندي 6 أخوة، أخي أحمد استشهد، والمفقودان هما آدم، وهو متزوج وله طفلان، وممدوح، وهو غير متزوج.
أخي الشهيد أحمد كان اجتماعيًا وينشئ صداقات ويخدم العالم. في اليوم الذي استشهد فيه، كان لديه أصحاب محاصرون في جامعة الأقصى، عرف أنهم بلا طعام وماء، فكلّم أخي الكبير نادر الذي يسكن في رفح ويشتغل في منظمة إنسانية، وقال له إنه بحاجة لإيصال طعام وماء لمحاصرين ومعهم أطفال.
في الساعة 6 ونصف صباحًا، استلم الأغراض من المركز الذي يعمل فيه أخي الكبير وذهب على دراجة نارية. خلال الطريق تعب، فمرّ على أختي إسراء التي كانت نازحة في إحدى الخيم. قال لها إنه سيترك دراجته النارية عندها وأخذ منها نقودًا قليلة ليذهب بسيارة أجرة، وذهب، ولكن بعد عشر دقائق عاد وقال لها إنه يريد أن يتوضأ قبل الذهاب لأن الطريق التي سيسلكها ليس فيها ماء للوضوء. توضأ وذهب وأوصل الأغراض، ومرّ على عمتي ليطمئن عليها لأن زوجها مفقود أيضًا. سلّمها بعض الأغراض وأوصل عددًا من الأمانات.
خلال عودته، وكانت الجيش الإسرائيلي قد قسّم المناطق شارع “أ”، شارع “ب”، وهكذا، على أن يمنع المرور من شارع “أ”. يومها سيارة الأجرة توقفت عند “أ” دون أن يعرفوا أنهم يدخلون هذا الشارع، مباشرة قصف الاحتلال على السيارة، فخرج أخي من السيارة ولكن تم تقنصيه مباشرة بـ 6 رصاصات، في وجهه وكتفه. هذا الاستشهاد حدث الساعة 11:35 ظهرًا. أحد الشباب وكان معه تمكّن من النجاة وركض صوب رفح إلى حيث يقيم إخوتي، كانت رفح لا تزال تُعتبر آمنة.
المفقود آدم ابو هجرس
يومها لم يكن مسموحًا الدخول للمنطقة التي استشهد فيها، اعتبروها منطقة مغلقة وكانوا يعملون على جرفها، وتحويلها إلى حفرة، لم نستطع أن نتركه هناك. أبلغت أختي إسراء إخوتنا أنه مرّ لخيمتها وترك دراجته النارية وأغراضه، وكان يرتدي جاكيت زرقاء. كان وقتها فضل شتاء وبرد. ذهب بعض الشباب وكانت الدبابة تبعد 3 أمتار عن مكان الاستشهاد. أخي صوّر فيديو للجثث من بعيد، ليتم تحديد مكانه قبل الاقتراب من المكان، كانت الأرض مليئة بالجثث، بقوا من الساعة 11 ونصف حتى الخامسة عصرًا وهم يحاولون التسلّل للمكان.
كانت الدبابة بعيدة بضعة أمتار عنه، وإن تحركت الدبابة كانت ستمرّ فوق جسده وتبيده بالتأكيد. زحف أخي محمود خطوة خطوة، من مكان آخر. في جرأة كبيرة، تمكّن من سحب الجثة. أخي محمود لم يعد هو نفسه، تغيّر حتى شكله، وأصبح أحدًا آخر؛ رؤية جثث الشهداء المسحولة وبينها جثة أخي أحمد كانت قاسية عليه.
وأنا لم أتمكن من مشاهدة صورته التي أرسلوها لي بعد أن أحضروه، هو الصغير بيننا، يساعد ويخدم بشكل كبير، أي أحد محتاج مساعدة كان يسأل عنه ويأتي له بالطعام والماء. في رفح كان متطوعًا لتوصيل الأمانات والمواد الغذائية. كان أحمد مسؤولًا عن 500 أسرة يوصل لها طرودًا ومساعدات.
أقول الحمدلله أننا استطعنا أن نقيم له عزاء، هذا الأمر يخفّف عن أمي وأبي وعنا. الشهداء الذين كانوا هناك نهشتهم الكلاب والقطط. رغم القصف، أقمنا له جنازة، ودفنّاه، والناس الذين حضروا العزاء لا نعرفهم، يقولون “افتقدناه، جئنا نطمئن عليه”، وكثير منهم أعطوا أهلي مالًا، قالوا إن أحمد كان قد أعطاهم إياه. كان أخي شغالًا على الخير، واستشهد متوضئًا.
أعزّي نفسي أني في نفس اليوم عند الفجر كلّمته، في وقت الفجر يكون الإنترنت جيدًا في غزة ثم ينقطع خلال النهار. ودّعته، وقال لي إن شاء لله نجد آدم وممدوح. كانت معنوياته عالية. عند استشهاده كلّمته أيضًا، أختي اتصلت بي وقالت لي ودّعيه لأن الشهيد يسمع الذين يودّعوه، كلّمته وانقطع الاتصال. كان الأمر صعبًا جدًا عليّ. جئت إلى كندا منذ وقت ليس ببعيد، وليس عندي أقارب هنا ولا معارف، وجدت الأمر صعبًا جدًا، ومن كثرة البكاء ساعتها غفوت فرأيته في المنام يقول لي ودّعيني، رأيته كما لو كان حيًا بجسده كاملًا.
أخواي آدم وممدوح مفقودان أيضًا، جاء أمر إخلاء البيوت في بني سهيلة، فأخذ أخي آدم زوجته وأولاده لمنزل أهله في رفح وعاد، لكنه اختفى مع أولاد عمي، وجدنا أحد أبناء عمي شهيدًا. دخل جنود الاحتلال البيوت، بيتًا بيتًا، وهذا شيء لم يكن متوقعًا، منطقة بني سهيلة في المنطقة الشرقية من خان يونس منطقة هادئة وجميلة.
يومها كلّمته في نفس اليوم، قال لي بأن الجنود حاصروا المكان ولا يستطيع الخروج، كان في البيت ودخلوا عليه، واختفى الاتصال معه. من فترة، تحرّر أحد الأسرى من السجن وأخبر أن هناك شاب كان في السجن من عائلة هجرس، ويقول بأنه يعرفه لأنه كان موظفًا في بنك فلسطين وكثيرون يعرفونه. يقول رأيته من بعيد وكان مقيّدًا كالجميع، ولم يستطع التحدّث معه. أكّد لنا أنه آدم وهو ما خفّف عن أمي وعنا.
أمي وأبي تهجّرا 12 مرة فقط! هم يُعتبرون محظوظين أنهم تهجّروا 12 مرة. بدأت الحرب بشهر 10، أهلي نزحوا في شهر 12 من بني سهيلة لخان يونس للمواصي لرفح، ثم عادوا لبني سهيلة إلى البيت وجدوا البيت مدمّرًا، ثمة حائط لزاوية وحيدة بقيت، فوضعوا خيمة وبقوا فيها، ثم دخل اليهود أحرقوا الخيم، فذهب أهلي إلى المواصي وهكذا.
أنا عندي إقامة وليس جنسية كندية، وكنت قد أُبلغت أنه فقط من عنده جنسية يمكنه التقدّم بالطلب، بعد استشهاد أخي تواصلت مع عدد من الجهات، واستطعت أن أقدّم طلبًا لعشر أشخاص من عائلتي، من ضمنهم أمي وأبي، وزوجة أخي أحمد وبناته. الحرب غيّرت أهلي كثيرًا، أختي خولة الجميلة جدًا لمّا كانت تقرأ القرآن على جنازة أخي أحمد وتمسح على جسده كنت أشاهدها بالفيديو، سألت من هي هذه التي تمسح على كفن أخي فقالوا لي إنها أختك خولة، لم أصدّق، هذه ليست خولة، لونها أسود وضعيفة، كلهم تغيّروا.
To read the article in English click this link