بعث الله نبيه عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين بشيرا لهم يرحمهم من ضغطة المادية الطاحنة وعبادة الأوثان فتغيرت أحوالهم ببعثته؛ ولهذا المعنى الجليل ذكره الله تعالى في القرآن يُتلَى إلى يوم الدين قال ربنا: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..”.
ولم تكن بعثته رحمة صلى الله عليه وسلم رحمة للبشر فقط بل حتى للنباتات والجمادات وكل المخلوقات التي سعدت ببعثته، ولهذا أوصى النبي بالتراحم فعن أَبِي موسى الأَشعرِي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَنْ تُؤْمِنُوا حتى تراحمُوا قالوا: يا رسولَ اللهِ، كلُّنا رَحِيمٌ، قال: إنَّهُ ليس بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صاحبَهُ، ولَكِنَّها رَحْمَةُ العَامَّةِ).
رحمة الرسول بأصحابه:
ولقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين أكثر الناس التصاقا برسول الله فشهدوا الخير وعاينوه والتفوا حوله وأخذوا من معينه الصافي وقد كان صلى الله عليه وسلم يبادلهم الرحمة والرأفة ويرفق بهم ويشاركهم شعورهم يتألم لألمهم ويحنوا عليهم ويفرح لفرحهم ويستبشر.
ومن النماذج الرائعة التي سجلتها السيرة النبوية لرحمة الرسول بأصحابه ما رواه عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً، استعمل عليهم زيد بن حارثة فإن قُتِلَ زيد أو استُشهِدَ فأميركم جعفر، فإن قتل أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة، فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قُتل، ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قُتِل، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قُتِل، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه وأتى خبرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلي الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن إخوانكم لقوا العدو، وإن زيداً أخذ الراية فقاتل حتى قتل ـ أو استشهد ـ، ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى قتل ـ أو استشهد ـ، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل ـ أو استشهد ـ، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد، ففتح الله عليه. ثم أمهل آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ادعوا لي ابنَيْ أخي، قال فجيء بنا كأننا أفْرُخٌ، قال: ادعوا لي الحلاق، فجيء بالحلاق، فحلق رؤوسنا ثم قال: أما محمد فشبه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خَلْقي وخُلُقي، ثم أخذ بيدي فأشالها (رفعها) فقال: اللَّهمَّ اخلُفْ جعفراً في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه، قالَها ثلاثَ مِرار، قال: فجاءت أمنا (أسماء بنت عميس) فذكرت يُتْمَنا، فقال: الْعَيْلَة (الفقر والحاجة) تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة) رواه أحمد وصححه الألباني.لمَّا ذكرت أسماء بنت عُميس رضي الله عنها زوجة جعفر رضي الله عنه بعد مقتله واستشهاده يُتم أولادها وحاجتهم، طمأنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (العيلة، تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة).
وبهذا يتبين كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على أصحابه وعلى البشر أجمعين يشيع الود بينهم ويرفق بصغيرهم ويرحمه ولم لا وقد قال عنه ربه: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..”، وقال: “وإنك لعلى خلق عظيم”.